الشارع المغاربي – عام‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭:‬ انجازات وتحدّيات /بقلم:محمد القوماني (ناشط سياسي وكاتب صحفي)

عام‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭:‬ انجازات وتحدّيات /بقلم:محمد القوماني (ناشط سياسي وكاتب صحفي)

قسم الأخبار

12 مايو، 2023

الشارع المغاربي: لا‭ ‬نفشي‭ ‬أسرارا‭ ‬حين‭ ‬نذكر‭ ‬أنّ‭ ‬بيان‭ ‬9‭ ‬أفريل‭ ‬2022‭ ‬الذي‭ ‬نشره‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬بجريدة‭ ‬المغرب‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬10‭ ‬أفريل‭ ‬وتلاه‭ ‬أمام‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الحاضرين‭ ‬بالوقفة‭ ‬الاحتجاجية،‭  ‬التي‭ ‬نظمها‭ “‬مواطنون‭ ‬ضد‭ ‬الانقلاب‭”‬،‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬كواليس‭ ‬الاتصالات‭ ‬السياسية،‭ ‬شاركت‭ ‬فيها‭ ‬شخصيات‭ ‬وأطراف‭ ‬عديدة،‭ ‬خلال‭ ‬9‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الانقلابية‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭. ‬وكنت‭ ‬شخصيا‭ ‬من‭ ‬المبادرين‭ ‬بتلك‭ ‬الاتصالات‭ ‬وشاهدا‭ ‬على‭ ‬تطوّراتها‭. ‬فقد‭ ‬اُريد‭ ‬ل‭”‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭” ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مراكمة‭ ‬للمجهودات‭ ‬الهامة‭ ‬التي‭ ‬رعاها‭ “‬مواطنون‭ ‬ضد‭ ‬الانقلاب‭” ‬وتطويرا‭ ‬لها‭ ‬بالاتفاق‭ ‬معهم‭ ‬وقبولهم‭ ‬الانخراط‭ ‬فيها‭. ‬ولعلّ‭ ‬تسمية‭ ‬الجبهة‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاتها‭ ‬تختزل‭ ‬أفقا‭ ‬وطنيا‭ ‬أرحب‭ ‬واهتمامات‭ ‬أشمل‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭. ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬توحيد‭ ‬المعارضة‭ ‬والخروج‭ ‬بالبلاد‭ ‬من‭ ‬أزمتها‭ ‬المركبة‭ ‬والمعقدة‭. ‬فكيف‭ ‬نقيّم‭ ‬عمل‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬الأولى‭ ‬لتأسيسها؟

استطاعت‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬عن‭ ‬تأسيسها‭ ‬ثبيت‭ ‬نفسها‭ ‬عنوانا‭ ‬سياسيا‭ ‬ونضاليا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الوطني‭ ‬التونسي‭. ‬وفي‭ ‬رصيدها‭ ‬حصيلة‭ ‬مشرّفة‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬والتحركات‭ ‬الميدانية‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬للمتابعين‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬أن‭ ‬للديمقراطية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أنصارها‭ (‬بواكيها‭). ‬وأنّ‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬حسموا‭ ‬معركة‭ ‬الشارع‭ ‬عدديا‭ ‬لصالحهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدد‭ ‬الوقفات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬والمسيرات‭ ‬وعدد‭ ‬المشاركين‭ ‬فيها،‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬فعله‭ ‬أنصار‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬من‭ ‬المساندين‭ ‬لمسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭. ‬وإن‭ ‬ظلّ‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬المشرّف‭ ‬غير‭ ‬كاف‭ ‬لوحده‭ ‬لتغيير‭ ‬معادلة‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬الجبهة‭ ‬فيما‭ ‬تسميه‭ “‬إسقاط‭ ‬الانقلاب‭” ‬وإنفاذ‭ ‬برنامجها‭ ‬السياسي‭.‬

‭ ‬واصلت‭ ‬الجبهة‭ ‬مشوار‭ “‬مواطنون‭ ‬ضد‭ ‬الانقلاب‭” ‬في‭ ‬الوقفات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬والمسيرات‭ ‬بالعاصمة‭ ‬وبعدد‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬بالخارج،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬سبتمبر‭ ‬2021‭ ‬ضدّ‭ ‬انقلاب‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬بكلمات‭ ‬جريئة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬وعبر‭ ‬اجتماعات‭ ‬في‭ ‬الجهات‭. ‬كما‭ ‬تجاسرت‭ ‬الجبهة‭ ‬على‭ ‬محاولات‭ ‬السلطة‭ ‬منع‭ ‬التحركات‭ ‬أو‭ ‬التضييق‭ ‬عليها‭ ‬مركزيا‭ ‬أو‭ ‬جهويا‭. ‬وكان‭ ‬فرض‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬للجبهة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬تجرئة‭ ‬للمواطنين‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬المعارضة‭. ‬وتعهّدت‭ ‬بملف‭ ‬المعتقلين‭ ‬السياسيين‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬والدفاع‭ ‬عنهم‭ ‬والمطالبة‭ ‬بإطلاق‭ ‬سراحهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وقفات‭ ‬احتجاجية‭ ‬وندوات‭ ‬صحفية‭ ‬واعتصام‭ ‬وتنسيق‭ ‬واتصالات‭ ‬بالعائلات‭…‬

كما‭ ‬واظبت‭ ‬الجبهة‭ ‬على‭ ‬مناكفة‭ ‬السلطة‭ ‬عبر‭ ‬البيانات‭ ‬واللقاءات‭ ‬الصحفية‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬والمحطات‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الاستفتاء‭ ‬والانتخابات‭ ‬التشريعية‭. ‬وكانت‭ ‬أهم‭ ‬جهة‭ ‬رقابية‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬الفردي‭ ‬المطلق‭ ‬لقيس‭ ‬سعيد‭. ‬وأسهمت‭ ‬تدريجيا‭ ‬في‭ ‬تعرية‭ ‬السلطة‭ ‬وإضعافا‭ ‬وتراجع‭ ‬شعبية‭ ‬الرئيس‭ ‬ومسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭. ‬رغم‭ ‬أنّ‭ ‬الرئيس‭ ‬نفسه‭ ‬يبقى‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬نهجه‭ ‬الانفرادي‭ ‬وخطاباته‭ ‬وفشله‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬خاصة‭. ‬وكانت‭ ‬الجبهة‭ ‬في‭ ‬الأثناء‭ ‬تبذل‭ ‬مجهودات‭ ‬لتوحيد‭ ‬صف‭ ‬المعارضة‭. ‬وكانت‭ ‬لها‭ ‬محاولات‭ ‬متكرّرة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬لقاءات‭ ‬مع‭ ‬الخماسي‭ ‬أو‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬أنشطة‭ ‬مشتركة‭ ‬ميدانيا‭.‬

وفي‭ ‬مقابل‭ ‬هذه‭ ‬الإنجازات‭ ‬غير‭ ‬الهيّنة،‭ ‬تواجه‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭ ‬تحدّيات‭ ‬جمّة‭ ‬في‭ ‬واقع‭  ‬سياسي‭ ‬متحرّك‭ ‬وطنيا‭ ‬وإقليميا‭ ‬ودوليا‭.‬

‭ ‬فقد‭ ‬عرفت‭ ‬تعثّرا‭ ‬في‭ ‬التوسّع،‭ ‬بل‭ ‬تراجعت‭ ‬المكونات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لها‭. ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الانقسام‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مخفيا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ “‬مواطنون‭ ‬ضد‭ ‬الانقلاب‭”‬،‭ ‬وتراجع‭ ‬المكونات‭ ‬المستقلة‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬غرار‭ “‬اللقاء‭ ‬الديمقراطي‭” ‬و‭”‬اللقاء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تونس‭” ‬و‭”‬تنسيقية‭ ‬الكتل‭ ‬البرلمانية‭”‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬انضمام‭ ‬شخصيات‭ ‬مستقلة‭ ‬كانت‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬الجبهة،‭ ‬أو‭ ‬أطراف‭ ‬حزبية‭ ‬جديدة‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬ممثل‭ “‬حزب‭ ‬البناء‭ ‬المغاربي‭”.‬

ولا‭ ‬نبالغ‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬أنّ‭ ‬توحيد‭ ‬المعارىضة‭ ‬بات‭ ‬أصعب،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬المراجعات‭ ‬المطلوبة،‭ ‬وتزايد‭ ‬أزمة‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬بسبب‭ ‬أخطاء‭ ‬تكتيكية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬السلبي‭ ‬جدا‭ ‬لحملة‭ ‬الاعتقالات‭ ‬السياسية،‭ ‬التي‭ ‬شملت‭ ‬عناصر‭ ‬هامة‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭ ‬وتأثير‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬توحيد‭ ‬المعارضة‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬فشلت‭ ‬الجبهة‭ ‬في‭ ‬إيقاف‭ ‬أجندة‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬منظومة‭ ‬عشرية‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بسرعة‭ ‬وسهولة‭ ‬مذهلين‭  ‬يستدعيان‭ ‬التفكير‭. ‬بما‭ ‬أبان‭ ‬عن‭ ‬هشاشة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬تلك‭ ‬العشرية‭. ‬فباستكمال‭ ‬الرئيس‭ ‬لأجندته‭ ‬وفرض‭ ‬وضع‭ ‬جديد‭ (‬دستور‭ ‬وبرلمان‭ …) ‬صار‭ ‬الاستثناء‭ ‬قاعدة‭. ‬وبدأنا‭ ‬فعليا‭ ‬مرحلة‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬عودة‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬فشلت‭ ‬الجبهة‭ ‬في‭ ‬إنفاذ‭ ‬أجندتها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬البديل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وإطلاق‭ ‬حوار‭ ‬وطني‭ ‬وتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬تتعهّد‭ ‬بالأوليات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وتؤهل‭ ‬البلاد‭ ‬لانتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬وتشريعية،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭ ‬المعلن‭ ‬في‭ ‬نصّ‭ ‬تأسيسها‭.‬

لقد‭ ‬صار‭ ‬ملحوظا‭ ‬تعثّر‭ ‬الجبهة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬وضع‭ ‬البديل‭ ‬الديمقراطي‭ (‬الورقات‭ ‬المضمونية‭) ‬رغم‭ ‬القناعات‭ ‬والكفاءات،‭ ‬ورغم‭ ‬تشكيلها‭ “‬منتدى‭ ‬الحوار‭” ‬لهذا‭ ‬الغرض‭. ‬ولم‭ ‬تبرهن‭ ‬الجبهة‭ ‬عمليا‭ ‬عن‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭. ‬فلا‭ ‬موقف‭ ‬للجبهة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الهيكلية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬ولا‭ ‬مقترحات‭ ‬لها‭ ‬لتغطية‭ ‬العجز‭ ‬الفادح‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬ومعالجة‭ ‬مشكلة‭ ‬المديونية‭ ‬أصلا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬البطالة‭ ‬وغلاء‭ ‬الأسعار‭ ‬وتردّي‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭. ‬وتلك‭ ‬أولويات‭ ‬عموم‭ ‬الشعب‭.‬

وبانزياحها‭ ‬عن‭ ‬الحل‭ ‬الوطني‭ ‬دون‭ ‬إقصاء‭ (‬كما‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬التأسيس‭) ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬راديكالي‭ ‬وخيار‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬السلطة،‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ “‬ما‭ ‬بُني‭ ‬على‭ ‬باطل‭ ‬فهو‭ ‬باطل‭” ‬اللذان‭ ‬أبانا‭ ‬عن‭ ‬مخاطر‭ ‬في‭ ‬تهميش‭ ‬المعارضة‭ ‬والتفريط‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مكاسب‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬إدماج‭ ‬الجميع‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭. ‬وتزداد‭ ‬مصاعب‭ ‬الجبهة‭ ‬سياسيا،‭ ‬بعدم‭ ‬واقعية‭ ‬استناد‭ ‬برنامجها‭ ‬إلى‭ ‬برلمان‭ ‬2019‭ ‬المُنحل‭ ‬ومرجعية‭ ‬دستور‭ ‬2014‭ ‬المُلغى‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬استحالة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬عدد‭ ‬1‭ ‬لسنة‭  ‬2022‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬البرلمان‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬2022

وبتواصل‭ ‬الهوّة‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسي‭ ‬المنظم‭ (‬الأحزاب‭ ‬والجمعيات‭) ‬والمجتمع‭ ‬المهمش‭ ‬من‭ ‬عموم‭ ‬الشعب،‭ ‬يبدو‭ ‬التقاء‭ ‬الشارع‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بالشارع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الشعبي‭ ‬شبه‭ ‬مستحيل‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العزوف‭ ‬العام‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬المراجعات‭ ‬وعدم‭ ‬تجديد‭ ‬الواجهة‭ ‬السياسية‭ ‬والعرض‭ ‬السياسي‭. ‬كما‭ ‬أبانت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬نسبة‭ ‬عدم‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬تشريعية‭ ‬2023‭. (‬حوالي‭ ‬90‭ ‬بالمئة‭).‬

وكم‭ ‬تبدو‭ ‬حاجة‭ ‬الجبهة‭ ‬أكيدة‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬مفهوم‭ “‬المقاومة‭” ‬المسقط‭ ‬على‭ ‬سياقنا‭ ‬والفاقد‭ ‬لشروطه‭. ‬فالصراع‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬متنافسين،‭ ‬ليس‭ “‬معركة‭ ‬تحرّر‭ ‬وطني‭” ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬بدوره،‭ ‬ولا‭ ‬يناسبها‭ “‬مقاومة‭” ‬عدو،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلّة‭. ‬ولعلّ‭ ‬انتهاج‭ ‬خيار‭ ‬المعارضة‭ ‬ومعجمها‭ ‬ضمن‭ ‬واقعية‭ “‬حكم‭ ‬المتغلّب‭” ‬ومعطيات‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬المرجعية‭ ‬المشتركة‭ ‬للثورة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والبناء‭ ‬على‭ ‬رصيد‭ ‬الحريات‭ ‬وتجربة‭ ‬النضال‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬يبدو‭ ‬الخيار‭ ‬الأنجع‭. ‬والمعارضة‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬المقاومة،‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬التسليم‭ ‬أو‭ ‬الموالاة،‭ ‬ولا‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ “‬التطبيع‭” ‬مع‭ ‬سلطة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬كما‭ ‬يُراد‭ ‬تشويهها‭ ‬من‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬تعني‭ ‬تعديل‭ ‬الخطاب‭ ‬بحسب‭ ‬تطوّرات‭ ‬الواقع،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬نجاعة‭ ‬التمشّي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬برنامج‭ ‬سياسي‭ ‬واقعي‭ ‬ومُزَمَّن،‭ ‬وليس‭ ‬مجرّد‭ ‬إعلان‭ ‬مبادئ‭ ‬مجرّدة‭ ‬وعنتريات‭ ‬لا‭ ‬تغيّر‭ ‬الواقع‭.‬

ومن‭ ‬شروط‭ ‬النجاعة،‭ ‬اعتماد‭ ‬خطاب‭ ‬سياسي‭ ‬عقلاني‭ ‬في‭ ‬مخاطبة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي‭ ‬وعدم‭ ‬محورة‭ ‬الخطاب‭ ‬حول‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭. ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬الصدع‭ ‬بمطلب‭ ‬مقنع‭ ‬وبسيط‭ ‬ومعبّئ‭ ‬أختصره‭ ‬في‭ ‬المطالبة‭ ‬بتحديد‭ ‬موعد‭ ‬لانتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬تعددية‭ ‬دون‭ ‬إقصاء‭ ‬وضمان‭ ‬شروط‭ ‬شفافيتها‭ ‬لحسم‭ ‬أزمة‭ ‬شرعية‭ ‬الحكم‭. ‬فالمقترحات‭ ‬المسكونة‭ ‬بالواقعية،‭ ‬لا‭ ‬تكترث‭ ‬ب‭”‬العنتريات‭” ‬المستندة‭ ‬إلى‭ “‬سرديات‭” ‬مختلفة‭ ‬حول‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي،‭ ‬بين‭ “,‬الانقلاب‭” ‬و‭”‬التصحيح‭” ‬وما‭ ‬بينهما‭ ‬من‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬مساء‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬وما‭ ‬سبقه‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭. ‬فليحتفظ‭ ‬كل‭ ‬بسرديته،‭ ‬ولكن‭ ‬لنجتمع‭ ‬على‭ ‬حلّ‭ ‬ولا‭ ‬نرتهن‭ ‬الوطن‭.‬

وبمثل‭ ‬هذا‭ ‬التوجّه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمهّد‭ ‬الجبهة‭ ‬لتفاعل‭ ‬إيجابي‭ ‬بعد‭ ‬جفاء،‭ ‬مع‭ ‬المبادرة‭ ‬المنتظرة‭ ‬للاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬والمنظمات،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تملأ‭ ‬فراغ‭ ‬غياب‭ ‬خريطة‭ ‬طريق‭ ‬واقعية‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬المركّبة‭ ‬والمعقّدة،‭ ‬وتقديم‭ ‬مضامين‭ ‬جاهزة‭ ‬للتحاور‭ ‬بشأنها‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تجهيز‭ ‬الجبهة‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬رئاسي‭ ‬بدأ‭ ‬بعد،‭ ‬وتحتاج‭ ‬فيه‭ ‬المعارضة‭ ‬إلى‭ ‬مُرشّح‭ ‬رئاسي‭ ‬ديمقراطي‭ ‬صاحب‭ ‬كفاءة‭ ‬عالية‭ ‬وجذاّب‭ ‬وجامع،‭ ‬في‭ ‬منافسة‭ ‬شعبوية‭ ‬سعيد‭ ‬أو‭ ‬غيره‭.‬

وختاما‭ ‬يظلّ‭ ‬اشتغال‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭ ‬بعيد‭ ‬المدى‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬عميقة‭ ‬لما‭ ‬حصل‭ ‬مساء‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أسبابه‭ ‬وأطرافه‭ ‬وأهدافه‭ ‬واستخلاصاته‭. ‬والتحرّي‭ ‬في‭ ‬تجلية‭ ‬المواقف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والخارجية‭ ‬عموما‭ ‬وحسن‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭. ‬ومعالجة‭ ‬استحقاقات‭ ‬المطالبة‭ ‬بالمراجعات‭ ‬والاعتراف‭ ‬والاعتذار‭ ‬وتجديد‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬والعرض‭ ‬السياسي‭ ‬والتصالح‭ ‬مع‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬شروطا‭ ‬حيويّة‭ ‬للانصراف‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المشهد‭ ‬الحزبي‭ ‬والسياسي،‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬حزب‭ ‬وطني‭ ‬متعدّد‭ ‬الروافد‭ ‬وصاحب‭ ‬برنامج‭ ‬لتونس‭ ‬المستقبل،‭ ‬يحتاجه‭ ‬المشهد،‭ ‬ويكون‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬الرهانات‭ ‬الانتخابية‭ ‬بالأغلبية‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬إنفاذ‭ ‬برنامج‭ ‬الحكم،‭ ‬وليس‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالتصدّر‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 9 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING