الشارع المغاربي: أولا: مثلما حصل بالنسبة لمرسوم المجلس الأعلى الوقتي للقضاء تمّ في يوم واحد التداول في مجلس الوزراء في مشروع مرسوم هيئة الانتخابات الجديدة وسجلت مبدئيا فيه بعض التغييرات ولو الشكلية، إلا إذا كان المجلس صامتا بالكامل، واعقب ذلك تنقيح الصياغة الأصلية ثم الإمضاء و الإصدار فالنشر بالرائد الرسمي.
ثانيا: ما يلاحظ أن المرسوم عدد 22 لسنة 2022 نص على الإطلاع على الدستور والحال أنه جاء مخالفا حتى للأحكام الدستورية التي ظلت سارية.من ذلك غياب كل نفس تشاركي (التوطئة) الى جانب إنتفاء كل مظاهر الشفافية (الفصل15)، بما يؤكد تواصل العمل في غرف مظلمة من قبل لجان سرية.
ثالثا: نرى أنه بإمكان العبث السياسي أن يؤدي الى الجنون القانوني. من ذلك أن الإستشارة الوجوبية لهيئة الانتخابات، وهي شكلية جوهرية أضحت عديمة الجدوى، إذ لا معنى لمطالبة مجلسها برأيه في حكم بإعدامه.
رابعا: أما في الأصل، نعلن مباشرة أن هيئة الانتخابات أضحت هيئة الرئيس بمجرد أن الأعضاء السبعة هم معينون من الرئيس لوحده، إما مباشرة (3 من قدماء الهيئات السابقة ويعين الرئيس من بينهم رئيسا للهيئة)، و إما بطريقة غير مباشرة (3 قضاة من 9 ترشيحات من المجلس الأعلى للقضاء الجديد المعين من رئيس الجمهورية، و العضو السابع و الأخير معين من المدير للمركز الوطني للإعلامية المعين من رئيس الجمهورية في ديسمبر 2021). كما أن إعفاء الأعضاء لا يتم نهاية الا بقرار من رئيس الجمهورية.
خامسا: إن المرسوم اغتال كل الضمانات الهيكلية والوظيفية المستوجبة في الهيئات المستقلة، و لا مجال للمقارنة و ذلك على جميع المستويات النصية مع هيئة الانتخابات منذ إحداثها في 2011 بما يجعل رئيس الجمهورية في المؤدى الخصم و الحكم، في تناقض مباشر مع دور الهيئة في دعم الديمقراطية (الفصل 125 من الدستور) وفي شروط العضوية وخاصة الإستقلالية والحياد (الفصل 126 منه).
سادسا: نتساءل في ظل مراحل بناء جمهورية قيس سعيد: ما هو رد الذي أفتى إيماء بأن رئيس الجمهورية هو المؤول الوحيد للدستور ؟ ما هو رأي الذي ما فتىء يدافع عن عدم خروج رئيس الجمهورية من الفصل 80 من الدستور ؟ بخصوص هذه الإنحرافات المتعددة والمتعاقبة والمتظافرة عبر تدابير “إستثنائية ووقتية” ولكنها حتما دائمة، وآخرها نسف هيئة مستقلة نشهد إجمالا بنزاهتها لما راقبنا مع زملائنا بالمحكمة الإدارية أعمالها في انتخابات 2011 و 2014، دون حاجة الى الإشارة الى تحجير إصدار مراسيم في المادة الانتخابية إذا كان البرلمان مُحلاّ (الفصل 70 من الدستور) وإلى عدم جواز تغيير القواعد الانتخابية قبل سنة من الانتخابات طبق ما تقتضي الممارسات الفضلى في المجال.
سابعا: وهكذا تتالى صفات الرئيس بطريقة لامتناهية: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الفعلي وصاحب السلطة التشريعية ومالك السلطة التأسيسية أصلية كانت أو فرعية ورئيس السلطة القضائية والقاضي الدستوري الأوحد وحجة الإسلام والرئيس الواقعي لهيئة الانتخابات. فهذا ما يريده شعب الرعايا، الا من انتمى الى شعب المواطنين.
ثامنا: وفي الأثناء مازلنا ننتظر لجنة الإصلاح السياسي منذ 22 سبتمبر 2021 و لجنة تأليف الإستشارة الوطنية منذ 20 مارس 2022، و لن ننسى المدينة الصحية بالقيروان و الـTGV من بنزرت الى بن قردان مرورا بالشركات الأهلية ومعجزاتها الموعودة، فذاكرة شعب المواطنين ليست ذاكرة شعب الرئيس، و إن كان الرئيس الذي لا شريك له احتكر بالكامل زمن الدولة كله.
تاسعا: نظن أن المخاطر ترتفع، سيما أن من يحكم البلاد لا يعرفها، وحتى إن عرفها فهو لم يعرفها الا بعد ثورة 17/14.
عاشرا: ختاما، من الثابت أن البلاد بدأت تبتعد عن الجنون الدستوري/القانوني لتقترب من الجنون المطلق.