الشارع المغاربي:
1/عشرية الإختراق
طيلة عشرية الحكم الإخواني وتُبّعهم، انفَسَح مجالُ البلاد للتدخلات الرسمية المعلنة وغير الرسمية الخفية. وإذا كانت التدخلات الرسمية خطرة فإن غير الرسمية أخطر. فهي تتدثّر بالعمل المدني والمرافقة والتكوين والتدريب ونشر الديمقراطية وسفارات السلام والعمل الخيري وحقوق الإنسان والثقافة والتأطير الإعلامي والبرلماني والتراث والفولكلور والبيئة وتحفيظ القرآن والعلوم الشرعية والتعليم الخ….
وقد تأكد أن أهداف هذا الإختراق المتواصل إلى اليوم هي توجيه الوعي والسيطرة على النخب وجمع المعلومات وتمويل الأحزاب الطيعة وتمويل الإرهاب وزرعه وتبييض الأموال. لقد صار كل هذا معلوما. ومع ذلك يستمر هذا الإختراق ويُجدّد ألوانه عند الإقتضاء.
2/استمرار الإختراق
على قدر استمرار تلك الكيانات ظهرت لها أشباه تحمل الألوان السابقة طورا وألوانا شبيهة طورا آخر، مشتقة من الألوان الأصول نفسها. مِن ذلك، مِن اتحاد القرضاوي و”مرحمة” و”الثقافة والتعدد” وقطر الخيرية و”تونس الإفتصادية” إلى”القدس للشؤون العامة” الإسرائيلية المخصة، إعلانا، في مساعدة الدول الإفريقية على مقاومة التصحر، ومشروع “بريما” الذي يقوده الإتحاد الأوروبي والذي فحواه شراكة بين أسرائيل وتسع عشرة دولة ضمنها تونس، ومجال عمله البيئة والمياه، وشركة “تونور” المُبهمة التي يرُوج أنها تنوي كراء خمسة وأربعين ألف هكتار من الأراضي الفلاحية التونسية الخ….
ومثلما يتواصل الصمت الرسمي عن تبيان الخيط الأبيض من الأسود إزاء هذه الأمثلة ونحوها، يستمر الإختراق ويتوسع بالإمتداد إلى الإعلام الذي هو في الأصل درع صدٍّ لهذه الإختراقات، لا سيما إذا غاب الصدُّ الرسمي.
3/شبكة محرري”الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”
مجالها هو الإعلام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولا يخفى أن التسمية بمحمولها الحغرافي السياسي؛” الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” إنما هي مشتقة من التقسيم الأمريكي المعتمد هناك في الهياكل الرسمية. فتسمية الشبكة دالة على”جنسيتها”. وقد تأكد أن رئيسها أبو بكر أوغلو المصري الفار المُتَأترك. وهو إخواني الهوية والمعدن والأصل والفصل. وبثالوث “الجنسية” الأمريكية وهوية رئيسها الإخوانية ومقرها التركي تكون هذه الشبكة قد أفصحت عن نهجها. ويتأكد هذا النهج بأقوال رئيسها نفسه، وهو يرد على الأستاذة عبير موسي، جاء فيها أنه يرى الإخوان جماعة،” ذات طموح” ويرى قناة الجزيرة الإخوانية معلما يشرف من يعمل فيه، وبِكَون أحد أعضاء الشبكة هو الإن وزير في حكومة الدبيبة الليبية التركية الإخوانية. وعلى ذلك تكتمل دائرة الريبة في هذه الشبكة.
وإن المشكل يكمن خاصة في أن هذه الشبكة قد استدرجت إليها إعلاميين تونسيين، بشهادة رئيسها في رده ذاك. وهو رد ساذج أبله متناقض، فيه خلط بين الإيديولوحيا الإخوانية والإيمان الديني، وفيه تناقض مضحك في شأن التمويل الذي تتلقاه شبكته، فضلا على تطبيعه مع ” التطبيع” الذي يقشعر له خطاب سعيد ولا يحرك ساكنا. لا بل لا يحرك ساكنا تجاه شبكة تتحرك في تونس وتدرب الإعلاميين، لا المصورين منهم، على”مهارة الدرون”، مثلما لا يحرك ساكنا تجاه مملكة في الجمهورية التي يرأس.
4/ مملكة أطلنتس في جمهورية تونس
يستحضر هذا الكيان مرة أخرى تركيا أو اللعنة التي لا تختفي. فملك مملكة أطلنتس الجديدة تركي. ورئيس حكومتها تركي. وها هنا مكمن الريبة الأول.
ثم إن التسمية مستمدة من أسطورة، وها هنا مكمن الخطر الثاني. ذلك أن الأساطير إنما تجيب عن أسئلة البدايات بتمثل ثقافي ” طفولي” وعميق لا صلة غاليا بالتاريخ.. ثم إن هذه المملكة ليست شأنا إفتراضيا عارضا. إنها “مملكة شركة”و “شركة مملكة”. فهي قوة المال الراهن وقوة الحكم القادم. وتنوي هي بدورها إنجاز استثمارات سخية في بناء المدن الذكية والمطارات والطاقة البديلة والبنى التحتية الثقيلة كالجسور. ولهذه المملكة جواز سفر ووثيقة جنسية يحملها تونسيون كثر، وتنوي أن يكون ترابها السيادي هو أرض استثماراتها التي يبدو أن تونس المفلسة مقصدا لها محتملا. ولهذه المملكة حكومة ذات رئيس ووزراء إدارة محلية، وتربية، وعمل وشؤون اجتماعية، وإعلام، وبيئة، وبحث علمي، وسياحة، وفلاحة وري، وإسكان وبناء، وحقوق إنسان الخ….
وقد لا يكون لتونس شأن بهذا الكيان المريب. لكن الذي فرض التعامل الوطني الجدي معه هو أن وزيرة في هذه المملكة هي نائبة رئيس برلمان تونس (اضاقة اسمها) وهي من أنصار سعيد ومن خدم حملته الإنتخابية أو “التفسيرية” بعبارته. وهذه المملكة التي تتحرك في الفضاء الإفتراضي والفضاء الفعلي قد جلبت إلى جنسيتها في تونس لا مواطنين فحسب، بل رجال تعليم مؤمّنين على الناشئة وعلى زرق القيم الوطنية فيها.
الذي نعلمه أن هذا الملف ليس عارضا أو هامشيا. إنه أحد مظاهر الإختراق الأخطر. وإن السلطة الرسمية مطالبة بفك هذه الألغاز، مثلما على النخب الوطنية في شتى المجالات أن تترك غفوتها وأن تضغط بالأسئلة الوجيهة والوسائل القانونية من أجل أن تتطهر البلاد من هذه الخلايا الخبيثة. ولا موجب لقياس الصواب بالجهة التي تثيره حتى في حال المخالفة السياسية. فهي جهة تملك ما يكفي من الأنصار الذين يسأل بعضهم: أَلَم يتعلم ساسةّ تونس الدرسَ حين حكّموا ذاك المقياس الحقودَ فأصابهم ما أصاب سنمّار؟!.
*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 9 ماي 2023