الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أصدرت مؤخرا مؤسسة “ذي بانكر” الدولية للاستشارات الاقتصادية والبنكية تقريرا حول تأثير الأزمة الاقتصادية في تونس على المنظومة البنكية.
وذكر التقرير ان القطاع البنكي التونسي يتسم بحضور قوي لبنوك الدولة وانه يجابه رغم مستوى مردوديته المرتفع عددا من المخاطر الناتجة عن الركود الاقتصادي وتفاقم الدين العمومي والذي قال انه تحد من تطوره إشكاليات مختلفة ترتبط أساسا بالمستويات العالية للقروض المشكوك في خلاصها وضعف الأموال الذاتية. وقدر التقرير في جانب آخر أصول البنوك العمومية الثلاث بنحو 40 بالمائة من إجمالي أصول القطاع. كما أشار الى تطوّر قائم قروض البنوك التونسية بحوالي 6.8 بالمائة نهاية 2020 والى انه بلغ 98.6 مليار دينار مبرزا ان مداخيل البنوك العشر الكبرى تطورت بنسبة 37 بالمائة بحساب الانزلاق السنوي آواخر النصف الأول من سنة 2020 الى جانب ارتفاع مردود الأموال الذاتية الى حدود 11 بالمائة نهاية جوان من العام الحالي.
وأوضح تقرير مؤسسة “ذي بانكر” أن نسبة تغطية القروض المشكوك في استخلاصها بالمدخرات بلغت 72 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2021 على مستوى القطاع البنكي ككل وان نسبة هذه القروض تساوي 16 بالمائة في المعدل من اجمالي قروض البنوك طيلة السنوت الثلاث الأخيرة. وأوضح التقرير في ذات السياق ان أحد أبرز المخاطر التي تجابه القطاع البنكي المحلي تتمثل في الحجم الكبير للقروض الممنوحة للمؤسسات العمومية وان ذلك يمكن ان يؤدي الى تآكل الأموال الذاتية لمؤسسات القرض التونسية بنسبة 300 بالمائة.
ودعا التقرير الى توخي الحذر بخصوص التعامل مع مخاطر اقراض القطاع العمومي وضرورة اعتماد المعايير المحاسبية المعتمدة دوليا على مستوى حساب المخاطر الناشئة عن مديونية مؤسسات الدولة.
يذكر ان وكالة التصنيف الدولية “ستاندرد آند بورز” كانت قد نشرت يوم 9 سبتمبر تقريرًا حول “التحديات التي تواجه الدول والشركات والبنوك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سياق ما بعد الجائحة”.
واستعرضت الوكالةالتطورات الأخيرة وآفاق التنمية الاقتصادية والمالية في 6 بلدان بالمنطقة هي مصر والمغرب وقطر والمملكة العربية السعودية وتونس (الدولة الوحيدة التي لم تنشر بعد الوكالة تصنيفها الجديد) والإمارات العربية المتحدة.
واكد تقرير وكالة التصنيف الدولية أن وباء كوفيد-19تسبب في انكماش غير مسبوق للناتج المحلي الإجمالي بنسبة ناهزت 8.6 بالمائة في عام 2020، حسب البيانات الإحصائية لصندوق النقد الدولي وان ذلك أدى إلى تفاقم اشكالات الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تونس بعد عقد من عدم تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتسجيل مستويات نمو متدنية.
وفي هذا السياق من المرجح أن يشهد الاقتصاد التونسي عودة جد بطيئة إلى مستويات ما قبل الجائحة، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.4 بالمائة لا غير سنويًا وفي المعدل على مدى الاعوام الخمس المقبلة، بناءً على توقعات صندوق النقد الدولي.
ومن غير المرتقب أن يكون هذا المستوى من النمو كافياً لمجابهة معدلات البطالة المرتفعة وتدهور مستوى المعيشة في البلاد، مما يمكن أن يؤدي إلى تأجيج الاحتقان الاجتماعي من جديد. واعتبرت الوكالة أن العجز المرتفع في الميزانية جعل الدين العام غير مستدام وانه من المنتظر ان تتفاقم المديونية في صورة عدم التعامل والاعتماد على المؤسسات المالية الدائنة متعددة الأطراف. كما اعتبرت ان عدم الاستقرار السياسي الحالي يؤدي إلى تعريض التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للخطر ويفرض تحديات مالية كبيرة على البلاد.
من جهتها، ستواجه البنوك التونسية وفق تقييم “ستاندرد آند بورز” وضعية اقتصادية كلية وتشغيلية أكثر صعوبة مع دعائم مالية محدودة ومخاطر متنامية علاوة على إمكانية تراجع عائداتها بصفة عامة سيما أنها تنشط في بيئة شديدة التنافسية وتتصف بالتجزؤ مع آفاق نمو متقلبة واحتمالات لتزايد الخسائر المرتبطة بنشاط الإقراض. وتؤكد الوكالة أن الهيكلة الحالية للنظام البنكي تتسم بالمنافسة الشديدة على مستوى هوامش الفوائض والعمولات التي يتحملها الحرفاء خصوصا ان البنوك تسعى للتعامل مع عدد قليل من كبار الحرفاء من ذوي القدرة على تسديد ديونهم والايفاء بالتزاماتهم تجاهها.
وتعتقد “ستاندرد آند بورز” أن هذه العوامل ستؤدي إلى زيادة تآكل مكونات الأموال الذاتية البنكية غير الكافية اصلا، خاصة في ما يتعلق بالبنوك صغيرة الحجم.
ومن المرجح أن تحتفظ البنوك بمخصصات عالية لتغطية الخسائر المحتملة في ما يهم نشاطها في منح القروض نظرًا لإقراضها العالي لقطاعات التجزئة والسياحة والعقارات وبعض قطاعات التصدير التي تجابه صعوبات مما يؤثر في النهاية على ربحيتها ورساميلها.
وخفض البنك المركزي سعر الفائدة مرتين في مارس وأكتوبر، بمعدل تراكمي يناهز 150 نقطة أساس (إلى 6.25 بالمائة)، مع الاستمرار في ضخ السيولة للبنوك ودعمها على هذا المستوى. ولكن “ستاندرد آند بورز” تعتقد أن هذا الدعم سيستمر خلال الأشهر القليلة المقبلة لمساعدة النظام البنكي على التعامل مع حالة عدم اليقين السياسي. وتعتبر الوكالة استمرار هذا الدعم أمرا بالغ الأهمية نظرا لانخفاض مستويات التمويل للبنوك التونسية.