الشارع المغاربي : عندما تصبح المؤشرات الاقتصادية الصادرة عن أهم مؤسسات الدولة عبارة عن مجرد أرقام سردية لا تتحول إلى شواغل ذات بال و شأن في الأوساط السياسية وفي المنظمات الوطنية والإعلامية ذات الصلة لكي تُترجم إلى قرارات جدية وفاعلة لتصويب ما يجب تصويبه ولتحسين ما يجب تحسينه لصالح البلاد والعباد يحق لنا أن نتساءل عن مدى أهمية إصدار هذه المؤشرات.
إن البيان الصادر عن مجلس إدارة البنك المركزي الأخير بتاريخ 31 ماي 2019 والذي “تطرق إلى آخر التطورات على الصعيد الاقتصادي والنقدي والمالي في الثلاثي الأول من سنة 2019” يعد مثالا حيا على هذا التصرف الذي لا يبشر بخير. و للتذكير فإن أهم ما جاء في هذا البيان هو:
– أن نسبة النمو بلغت 1,1 % بحساب الانزلاق السنوي، خلال الثلاثي الأول من سنة 2019 مقابل 2,7 % خلال نفس الفترة من السنة الماضية: أي تراجع بنسبة 60 % (تم التغافل عن تحديد النسبة المائوية).
ويدرج البنك المركزي هذا التراجع الخطير “أساسا في علاقة مع تراجع القيمة المضافة للقطاعين الفلاحي و الصناعي”، مما يعنى تراجع الإنتاج في هذين القطاعين اللذين يعتبران أساسيين لدفع النمو والتشغيل في كل بلدان العالم خاصة إذا علمنا أن قانون المالية لسنة 2019 يراهن على نسبة نمو سنوية ب3,1 % على أساس نمو القيمة المضافة لقطاع الصناعات المعملية ب4,2 %؟
هذه المؤشرات تعتبر خطيرة خاصة إذا علمنا أن التراجع في الإنتاج الصناعي هو تراجع هيكلي وليس ظرفيا وفي استمرار منذ أكثر من عقدين في علاقة بالتصحر الصناعي الناتج عن تداعيات اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الموقع في جويلية 1995.
كما أن هذا التراجع جاء كنتيجة حتمية للزيادات المفرطة في سعر الطاقة التي أقدمت عليها الحكومة في سنة 2018 و التي فاقت 50 % !!!. هذا طبعا زيادة على قرار البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية التي مرت من 4,25 في فيفري 2017 إلى 7,75 منذ فيفري 2019. هذه الزيادات المشطة وغير المسؤولة أفضت إلى المزيد من تعطيل نشاط المؤسسات الصناعية الوطنية العمومية منها والخاصة.
تراجع نسبة النمو بهذه الدرجة يعني حتما المزيد من البطالة ومن المديونية مما سيعرض البلاد إلى المزيد من الابتزاز الخارجي بما في ذلك الدفع نحو التطبيع و الاصطفاف وراء تحالفات ظالمة زيادة على تراجع مردود المرافق العمومية خاصة منها الصحة والتعليم.
– ثانيا على مستوى التوازنات الخارجية أشار البيان إلى عودة العجز الجاري “التوسع” (في محاولة لتفادي كلمة مزيد الانهيار) بنسبة 9,3 % من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 6,3 % في نفس المدة من السنة الماضية. كما ذكر أن رصيد الدولة من العملة الأجنبية شهد أيضا تراجعا إلى مستوى 13.050 ملايين دينار أو ما يعادل 74 يوم توريد في موفى أفريل 2019 مقابل 13.974 م.د. أو 84 يوم توريد في موفى سنة 2018 و أعزى هذا التراجع” بالأساس إلى الدفوعات بعنوان خدمة الدين الخارجي في ظل تأخر بعض السحوبات على التمويلات الخارجية المبرمجة “(في تلميح لديون لم يتم صرفها لأسباب تتعلق حتما بمزيد السعي لتركيع الطرف التونسي أساسا من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي).
– ما يلفت الانتباه و الاستغراب حقيقة أن البنك المركزي لم يتعرض في بيانه إلى استفحال العجز التجاري في النظام العام (الشركات المقيمة) بنسبة تناهز 26% في موفى أفريل 2019 مقارنة بنفس المدة من سنة 2018 حيث ارتفع العجز من 8,5 مليارات دينار إلى 10,7 مليارات دينار!
و في هذا الموضوع الخطير لنا ان نتساءل حقيقة متى سيُقرر البنك المركزي تطبيق النشرية السادسة الخاصة بتحديد ميزان الدفوعات التي أقرت بعدم احتساب منتوجات الشركات غير المقيمة في ميزان المبادلات التجارية للبضائع و إنما احتسابها في ميزان الخدمات بعنوان خدمات صناعية؟ هذه النشرية تم تطبيقها في بلدان الاتحاد الأوروبي منذ سنة 2010 ولكنها لم تطبق إلى اليوم في تونس؟ والسبب أن هول المفاجأة التي سيكتشفها الشعب التونسي حول نسبة تغطية الواردات بالصادرات وحول هزالة الوضع الهيكلي للاقتصادي الوطني سوف تكون صادمة في الداخل والخارج؟
أرقام مفزعة تدل على وضع اقتصادي ومالي واجتماعي فظيع يتم سردها وتمر مرور الكرام و الحكومة لا تحرك ساكنا ومجلس نواب الشعب في غيبوبة والمعارضة لم يسمع لها أي تعليق… والجميع مترنّم و يستعدّ للانتخابات القادمة…
صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر يوم الثلاثاء 11 جوان 2019.