الشارع المغاربي : التطورات المتلاحقة بالمشهد السياسي والانتخابي التونسي ومنها تخلي يوسف الشاهد عن جنسيته الفرنسية وسعيه لتوظيف هذا القرار انتخابيا، كان له مفعولا عكسيا سيما وانه تعمد إخفاء هذا الامر وسعى جاهدا من موقعه على راس الحكومة لخدمة المصالح الغربية وطموحاته الانتخابية والسلطوية اللامحدودة بالاعتماد على إمكانيات الدولة والدعم الفرنسي الغربي الذي أصبح مكشوفا ومعلنا منذ ماي 2018 وذلك مقابل تعهدات بإعطائه الأولوية لتمرير أهم بنود اتفاق “الآليكا” بالقوانين التونسية وهو ما حصل بالفعل.
الا ان رئيس الحكومة لا يبدو مكترثا لردود الفعل المحلية المستهجنة لمثل هذه الممارسات المدمرة لمصلحة البلاد والأقرب الى التحيل السياسي خاصة وان الفوز بالرئاسة للبقاء في السلطة اضحى بالنسبة اليه امرا مصيريا وحيويا في ظل منافسة شديدة من أطراف سياسية عديدة تخشى هي أيضا من تبعات خروجها من الحكم ومن احتمالية حصول تحول في المشهد الجغراسياسي قد يؤدي الى فقدانها للدعم الخارجي سيما إذا ارتأت فرنسا وحلفاءها ان مراجعة تحالفاتها هو السبيل للحفاظ على نفوذها ومصالحها بتونس.
في الواقع ان التاريخ الدبلوماسي التونسي الخفي منه والعلني يبين ان فرنسا لجأت باستمرار في كافة مراحل مخططها الاستعماري بتونس الى اختراق الطبقة السياسية التونسية وانتداب المتعاونين والعملاء صلبها مع السعي لتمكينهم من الولوج الى مواقع قريبة او مؤثرة جدا في سلطة القرار، وقد تواصلت هذه السياسة بصيغ جديدة واشكال مختلفة بعد الاستقلال متناغمة مع مقتضيات العولمة الاقتصادية التي تتطلب الاستثمار في تكوين جيل من الكفاءات التونسية واستقطابهم وضمان ولائهم بمنحهم الجنسية وتمكينهم من الحوافز وفرص العمل المجزية صلب الشركات المتعددة الأطراف او المؤسسات المالية الدولية وغيرها.
وامتدت هذه السياسة لتشمل المعارضين للنظام السابق المنتمين الى مختلف العائلات والمشارب السياسية الذين لجأوا الى البلدان الأوروبية ثم عادوا بكثافة وبتخطيط مسبق بعد الثورة ليتصدروا المشهد السياسي وليحتلوا مناصب حكومية وخطط وظيفية عليا صلب أجهزة الدولة في إطار ما يعرف بسياسة توزيع السلطة والمغانم بين الاحزاب الفاعلة بناء على المحاصصات والولاءات الحزبية وبما يتلاءم أيضا مع مصالح الأطراف الخارجية الغربية التي كانت مؤثرة بقوة في كافة مراحل الانتقال الديمقراطي بعد الثورة لتضمن عدم التراجع عن السياسات التي تخدم مصالحها
. وهكذا تولت فرنسا وأوروبا ممثلة بعدد هام من الوزراء مزدوجي الجنسية مناصب هامة وسيادية في كافة الحكومات المتعاقبة بما فيها رئاسة حكومتي جمعة والشاهد وهو ما يفسر الأولوية القصوى التي حظيت بها المفاوضات حول الآليكا و”استراتيجية بناء تونس” 2016 – 2020 التي وضعت بمساهمة فرنسية أوروبية مباشرة في انسجام تام مع سياسات اقتصاد السوق وفي تناقض تام مع بنود دستور الثورة الحامل لمقاربة سيادية جديدة في مجال التنمية الاقتصادية وعلاقات التعاون الدولية لتونس.
وعلى ضوء ما تقدم يؤمل ان تحظى هذه الملفات بما تستحقه من أهمية في اطار الحملة الانتخابية القادمة، سعيا لإقناع الراي العام بخطورة تكرار هذه التجربة وضرورة تحقيق تداول سلمي على السلطة مشفوع بأغلبية جديدة حاكمة مكونة من وطنيين غير مورطين في هذه السياسات وحاملة لمشروع وطني جامع مستوحى من الدستور بما يجعلها قادرة على تقديم الحلول الكفيلة بإعادة التوازن لعلاقات تونس الخارجية ومعالجة المديونية المفرطة المكبلة لسيادتنا وإعادة بناء العلاقات التونسية الفرنسية الأوروبية على أسس جديدة تراعي مصالحنا العليا وتمكن تونس من استعادة قرارها السيادي في تحديد خياراتها الاستراتيجية الكبرى ووضعها حيز التنفيذ بالاعتماد على كفاءاتها الوطنية الاصيلة بعيدا عن كافة اشكال الوصاية والهيمنة.