الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: عديدة هي المنظمات والاحزاب والتجمعات الايديولوجية والثورية التي ما انفكت تعتبر خوصصة المؤسسات العمومية خطا احمرا لا يجب تخطيه باي حال من الاحوال، شأنه في ذلك شأن تجاوز ضوابط الاديان والعقائد والقوانين والاخلاق التي تنظم حياة المجتمعات و التي يعتبر التعدي على حدودها من المحرمات ومن كبائر الآثام !.
ولعل هذه الوضعية تحيل، بشكل شبه قاطع الى تواجد العديد من العقليات غير المعيارية في تونس تُحل وتحرّم وفق وضعيات جلها مبهم ويصعب ادراك مغازيها.ومهما يكن من امر، فإن وضعية ذات دلالة كبيرة استوقفت شرائح واسعة من الراي العام في البلاد مؤخرا بعد نجاح شركة مناولة تعاقدت معها منذ حوالي شهر شركة تونس الجوية لتأمين ايصال أمتعة المسافرين وتوصلت الى القضاء نهائيا على دابر سرقتها وهي اَفة تواصلت لسنوات طوال رغم “سهر” ابناء المؤسسة العمومية على مكافحتها مع ربح مؤسسة المناولة نحو 20 دقيقة في توقيت تسليم الامتعة والحقائب وبكلفة جد معقولة.
ويجدر التذكير في البداية الى ان عدد المنشآت والمؤسسات العمومية يبلغ نحو 104 تنشط في 21 قطاعا وتناهز قيمتها المضافة السنوية زهاء 6.5 مليارات دينار وهي في تراجع من عام الى اخر وبالخصوص منذ 2013 بما يعادل 15%. ويبلغ دعم الدولة لهذه الهياكل الوطنية حوالي 5800 مليون دينار. غير ان المثير للانتباه يتمثل في ان 29 مؤسسة عمومية استهلكت اموالها الذاتية بالكامل (480 مليون دينار) ولعدة مرات لتتحول وضعية دفقها المالي، في هذا الصدد، الى وضعية سالبة (- 2700 مليون دينار) مما يستدعي اعلان تفليسها، قانونا وعرفا.
وفي هذا الاطار، تقدر قيمة الثغرة المالية للشركة التونسية للكهرباء والغاز بحوالي 5 مليارات دينار في حين يناهز الرصيد السلبي لموازنة الصيدلية المركزية ملياري دينار أي ما يفوق قيمة عجز ميزانية الدولة برمته وذلك وفق تقديرات البنك الدولي (5 % من الناتج المحلي الاجمالي).
ويرجع العديد من الخبراء اوضاع المؤسسات العمومية المزرية الى تمعش لوبيات نافذة منها فضلا عن اشكاليات على مستوى الحوكمة لانعدام الكفاءة في تسيير جلها والاضطرابات الاجتماعية المتواصلة فيها، عن قصد، حسب تقييم العديد من المتخصصين في الشأن الاقتصادي الوطني.
كما يُرجع طيف واسع من المتخصصين هذه الاوضاع الى رغبة اطراف “خفية” في تواصل اهتراء المنشآت والمؤسسات العمومية للاستفادة من حالة تعفنها وتعكر نشاطها في سياق تكريس غياب الرؤية الاستراتيجية لتسييرها والعمل على تدني انتاجيتها مع توطيد تعقد الاجراءات الادارية فيها وتضخيم مصاريف التأجير والامتيازات فيها.
وبغض النظر عن رفض خوصصة المؤسسات العمومية سيما المنكوبة منها بالكامل، فإن جل الاطراف التي ترى في هذه المسألة من كبائر الامور ترفض كذلك بعض المبادرات لانقاذ ما يمكن انقاذه على غرار اطلاق صندوق للاسترجاع براس مال في حدود 1000 مليون دينار يمول بنسبة 50 % من قبل الخواص و50 بالمائة من قبل صندوق الودائع والامانات للمنشاَت التي تنشط في قطاعات تنافسية.
كما ترفض ذات الاطراف تمكين الخواص من تقديم خدمة للمرفق العام شريطة ان تتحمل الدولة فارق الكلفة بين السعر الحقيقي للخدمة والسعر المفوتر في اطار شراكات ولزم مقننة.
ويشمل الرفض ايضا بعث الصناديق الجهوية للتأثير الايجابي مناصفة مع القطاع الخاص وفق منوال صناديق الافراق مع حث بعض المؤسسات العمومية على استبدال النموذج الحالي المعمول به بأنموذج جديد يتماشى والسوق والظروف الاجتماعية الراهنة الى جانب العمل على تجسيم خطط اعادة رسملة بالنسبة للمؤسسات التي تؤمّن مرافق عمومية حيوية وهي تجربة نجحت مع البنوك العمومية رغم نقائصها.