الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: مرة أخرى تتطرق السلطة لمواضيع حارقة وحساسة دون الخوض في عمق المشاكل أو اقتراح معالجة جدية للآفات الاقتصادية والاجتماعية التي تتوالى على البلاد وذلك، وفقا لتقرير جديد حول ازمة الخبز نشرته منظمة ” آلارت ” لمكافحة ممارسات المنافسة غير المشروعة الاحد 30 جويلية 2023 مبرزة ان الخطاب الرسمي المعتمد، في هذا الاطار، يهدف الى التملص من المسؤولية المباشرة عن تأزم الأوضاع الاجتماعية.
ولاحظت منظمة آلارت أنه كلما اشتدت الأزمة، كلما تم اللجوء إلى نصوص وقوانين قديمة هي السبب الأصلي لانهيار المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في تونس وان ذلك ما يدعو، حسب تقديرها، الى ضرورة تفادي السقوط في الاستعمال الاعتباطي لمصطلحات جوفاء، والتوقف عند الأسباب الهيكلية والظرفية لانهيار منظومة الخبز.
وتكمن المشاكل الهيكلية المتسببة في انهيار المنظومة حسب ما ورد في تقرير المنظمة غير الحكومية في عاملين اثنين، الأول هو مستوى الإنتاج المحلي للحبوب والثاني هو توزيع الحصص على المتدخلين، ففي أحسن الأوضاع المناخية لم يكن الانتاج المحلي قادرا على تغطية الحاجات السنوية من الحبوب بسبب اهمال القطاع الفلاحي (خاصة الزراعات الكبرى) وكذلك تبعا لاعتماد تسعيرة شراء متدنية لا تمكن المنتجين من العيش الكريم اذ انه في أعلى المواسم من حيث الانتاج لم يتمكن القطاع من انتاج أكثر من 55 بالمائة من حاجات البلاد من القمح الصلب و0,3 بالمائة من الحاجات من القمح اللين.
أما على مستوى توزيع الحصص، فقد بين التقرير ان القطاع يشكو من اختلال في توزيع مختلف اصناف القمح بين المطاحن بسبب هيمنة غرفة المطاحن التابعة لمنظمة الأعراف على ديوان الحبوب علاوة على اختلال توزيع الفارينة المدعمة على مختلف المخابز المصنفة، إذ تهيمن أقلية من أصحاب المخابز على أهم الكميات الموزعة فتكون حصة أغلبية بقية المخابز في حدود 118 قنطارا شهريا أي ما يعادل 4,5 أكياس يوميا، لتلجأ بذلك تلك المخابز إلى استعمال السميد والفارينة لتغطية الطلب على الخبز.
وتعكرت، استنادا الى بيانات تقرير منظمة آلارت، هذه الوضعية الهيكلية بتضافر أسباب ظرفية سرعت في انهيار منظومة الخبز حيث شهد القطاع اضطرابات كبيرة على مستوى استيراد القمح الصلب الذي انخفض بنسبة 30 بالمائة خلال الخمس الأشهر الأولى من سنة 2023 مقارنة بالسنة الفارطة جراء شح السيولة وعجز ديوان الحبوب عن تمويل حاجات السوق.
ونتج عن هذا النقص على مستوى القمح الصلب ضغط كبير على السميد ادى بدوره الى ارتفاع الطلب على الفارينة مما انجر عنه فقدان الخبز المدعم ليؤثر بذلك الغياب المتفاوت للخبز على العادات الاستهلاكية للمواطن وهو ما نتج عنه ارتفاع الطلب بسبب انعدام الثقة في السلطة لإيجاد حلول سريعة وناجعة لهذه الأزمة، على حد تقدير التقرير.
من جانب اخر، اثرت الأوضاع المناخية التي شهدها موسم 2023 من جفاف وأمطار متأخرة، على كمية وجودة انتاج القمح الصلب الذي بلغ 2,3 مليون قنطار أي ما يعادل 19 بالمائة من حاجات السوق وذلك في ظل ما شهد المنتجون من تعسف من طرف السلطات في عملية جمع الانتاج أمام ترددهم خوفا على فقدانهم بذور الموسم المقبل، من ناحية ووسط مساهمة ترفيع السلطة في سعر قنطار السميد من 38 إلى 59 دينارا، من ناحية اخرى مما تسبب في صعوبة توفير أغلبية المخابز المصنفة وغير المصنفة الخبز من صنف الباقات بسعر 190 مليما، بما أدى بدوره إلى فقدانها.
وإلى جانب هذه العوامل الظرفية والهيكلية، تتحمل السلطة السياسية المسؤولية الأولى في فقدان الخبز، حسب تقرير المنظمة اذ ان رفع الدعم في غياب العرض ودون الترفيع في الأسعار هو نتيجة سياسة ممنهجة وارادية للدولة بعدما انخفضت نفقات دعم المواد الأساسية ب90 بالمائة خلال الثلاثي الأول بين سنتي 2022 و2023، حيث مرت من 400 مليون دينار أي 30,7 بالمائة من نفقات الدعم إلى 42,9 مليون دينار أي 3,4 بالمائة فقط من نفقات الدعم وذلك إلى جانب عدم سداد مستحقات الدعم منذ 12 شهرا مما أثقل ديون ديوان الحبوب الذي أصبح عاجزا على توفير حاجات السوق.
وتم التاكيد على انه إلى جانب تجاهل دورها المباشر في تعكير الأزمة تلجأ السلطات إلى إجراءات تخدم مصالح غرف نقابات الأعراف والتي ستولد اضطرابات جديدة باعتبار ان ممارسات المخابز “غير المصنفة” ستساهم في مزيد انخفاض العرض مما يولد ضغطا جديدا على السوق وطوابير أطول أمام بعض المخابز وذلك في سياق عام يتسم وفقا لالارت بخدمة مصالح المخابز المنتفعة بالرخص من ناحية ويندرج من ناحية أخرى ضمن سياسة الرفع المقنع للدعم عن المواد الأساسية.