الشارع المغاربي -محمد الجلالي: بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على تحديد وزارة التجارة وتنمية الصادرات تسعيرة بيع السكر المعلّب في مظروفات (buchettes) بـ 3050 مليما للكيلوغرام ارتفعت أصوات مئات الناشطين في القطاع من صغار المستثمرين للتعبير عن دخول شركاتهم في دوّامة من التداين والعجز المالي والتوقف المتواصل عن العمل جراء عدم تغطية سعر البيع كلفة الانتاج وتخفيض ديوان التجارة في حصصهم من السكر.
في المقابل استفحلت ظاهرة الدخلاء على القطاع في استغلالٍ لضعف الرقابة وتواطؤ بعض تاجر الجملة واصحاب محلات بيع المواد الغذائية للحصول على كميات كبيرة من السكر الموجه للاستهلاك العائلي وتحويلها الى سكر معلّب قبل التفريط فيها الى المقاهي بطرق غير قانونية.
قرار غامض
حامد صاحب ورشة صغيرة لتعليب السكر باحدى مدن الساحل اضطر الى التخفيض في عدد العمال وتحويل مصنعه المتواضع الى مستودع على ملك والده في محاولة منه للضغط على النفقات والتأقلم مع الصعوبات المالية التي باتت تواجهها شركته.
حامد اكد ان شركته فقدت توازناتها المالية منذ 17 مارس المنقضي تاريخ اعلان وزارة التجارة عن تسعيرة لبيع السكر المعلب في مظروفات (3050 مليما للكيلوغرام) مشددا على ان هذا السعر لا يغطي كلفة الشراء والتعليب وخلاص مرتبات العمال والايفاء بالتزامات الشركة تجاه البنك والضمان الاجتماعي ووزارة المالية.
واعتبر ان قرار الوزارة كان غامضا مشيرا الى أنه تسبب في ارباك الصناعيين الصغار وإلى انه تزامن مع قرار الديوان التونسي للتجارة القاضي بالترفيع في سعر بيع طن السكر الى المصنعين من 1500 دينار الى 1940 دينارا.
وأوضح قائلا “كلفة شراء كلغ السكر اصبحت في حدود 2800 مليم وذلك قبل حتى القيام بعملية التعليب. وإذا اضفنا الى ذلك كلفة التعليب والكهرباء والنقل واليد العاملة سترتفع الكلفة ما بين 3600 و3800 مليم”.
وذكّر بأنه سبق لمصنّعين من ولاية صفاقس ان كلّفوا خبيرا بإجراء دراسة لتحديد كلفة التعليب وبأنه خلص الى انها كانت في حدود 3812 مليما بالنسبة للكيلوغرام متسائلا: “هل يعقل ان تطالبنا الوزارة بعدم تجاوز سعر 3050 مليما”؟
وتابع: “هناك اشكال اخر زاد في تعقيد اوضاع المؤسسات الصغرى الناشطة في مجال تعليب السكر هو تخفيض ديوان التجارة في حصصنا من كميات السكر التي كنا نحصل عليها في السابق بسبب تراجع نسق التوريد في الاونة الاخيرة”.
بارونات على الخط
حامد قال ان الانطباع السائد اليوم لدى المئات من صغار المستثمرين الذين يمثلون قرابة 85 بالمائة من الناشطين في قطاع السكر المعلّب والذي هم من أصحاب الشهائد العليا هو أن مساعيهم لتنظيم القطاع وتصديهم للدخلاء عبر ابلاغ مصالح وزارة التجارة بتجاوزاتهم دفعت جهات نافذة الى القصاص منهم عبر فرض تسعيرة غير منصفة لهم قصد التخلص من شركاتهم.
واعتبر أن ما أسماها بارونات الاقتصاد المغلق لا يسيطرون على البنوك والايجار المالي والتأمين والقروض الصغرى وعلى توريد السيارات فحسب وانما ايضا على قطاعات السكر والزيت والقهوة وغيرها.
من جهة أخرى بيّن حامد أن الوزارة تطالب المصنعين بتضمين معطيات تتعلق بهوية الشركة وعنوانها ورقم هاتفها على مظروفات السكر متهما اياها في المقابل بالتغاضي عن ترويج مظروفات مجهولة المصدر قال ان دخلاء يزودون بها المقاهي بطرق غير قانونية.
وأشار الى ان عددا من الدخلاء يحصلون على كميات كبيرة من السكر الموجه للاستهلاك العائلي من تجار بيع بالجملة او من اصحاب محلات بيع المواد الغذائية مشدد على ان في ذلك تحويلا لوجهة مواد مدعمة الى نشاطات صناعية.
ولاحظ ان الدخلاء يقتنون السكر باثمان زهيدة مقارنة بالشركات الناشطة بطريقة قانونية لافتا الى ان عددا من الدخلاء ليسوا في حقيقة الامر سوى موظفين عموميين يزاولون مهنا موازية.
حامد شدّد على انه لو أرادت الوزارة المحافظة على الشركات الصغرى لسعت لتحرير اسعار البيع مع فرض سعر ادنى لا يقل عن 4200 مليم للكيلوغرام.
وخلص الى القول “الوزارة اصبحت تدفعنا بقراراتها الى ممارسة “الكونترا” والعمل خارج القانون واعتماد اساليب وحيل للتهرب الضريبي وهذا لن ينفع الاقتصاد وانما سيعمق أزمته”.
مستثمرون مهدّدون بالسجن
في ولايات تونس كبرى حيث تنتصب أغلب الشركات الناشطة في قطاع تعليب السكر اختارت سلمى منذ أكثر من سنة بعث شركة موفرة 5 مواطن شغل بعد ان حصلت على قرض من البنك التونسي للتضامن.
دخول سلمى الى القطاع لم يتزامن مع احتداد أزمة شح السكر فحسب وانما ايضا مع تحديد وزارة التجارة تسعيرة لبيعه.
المتحدثة اكدت ان ديوان التجارة اصبح يعتمد نظاما للحصص في تزويد الصناعيين مشيرة الى انها اضحت تحصل على حصة شهرية بطنّين عوض 24 طنا لافتة الى ان الكمية تكفيها بالكاد للعمل مدة أسبوع.
وكشفت انها عاينت مؤخرا غضبا كبيرا في صفوف اصحاب المصانع امام احد مستودعات الديوان بسبب عدم توفر السكر بالنسق المطلوب.
وقالت ان احد المصنعين قدم من نابل ثم انتظر لساعات طويلة على أمل العودة بحمولة شاحنتين مؤكدة انه تم اعلامه بضرورة العودة بعد يوم لتسلم ثلث الكمية المطلوبة فقط.
واعتبرت انه من سوء حظها انها بعثت مشروعها في أسوإ فترة يمر بها القطاع وانها وجدت نفسها بعد مرور سنة فقط على بداية نشاطها عاجزة عن سداد اقساط قرض كانت قد حصلت عليه من البنك التونسي للتضامن وعن دفع معاليم كراء المقر ورواتب العمال والايفاء بواجبها الجبائي والاجتماعي تجاه مصلحتي القباضة والضمان الاجتماعي.
وأضافت “تحوّلنا مؤخرا الى وزارة التجارة وتحدثنا مع احد المسؤولين فكانت الاجابة انهم لم يعلموا بترفيع ديوان التجارة في سعر السكر” متسائلة “هل يعقل الا تعلم وزارة التجارة بقرار الزيادة في الاسعار المتخذ من قبل مصالح ديوان التجارة الذي يتبعها؟”
سلمى ذكرت ان المئات من مصنعي السكر المعلب اصبحوا اليوم مهدّدين بالسجن بحكم عجزهم عن خلاص قروضهم وعن الايفاء بالتزاماتهم المالية مشيرة الى ان هناك من باع تجهيزاته وأغلق شركته.
وأوضحت ان البنك حذّرها من مغبة عدم خلاص ثلاثة اقساط متخلّفة من القرض حتى لا يتم تنفيذ عقلة على تجهيزاتها.
واعتبرت ان الوزارة قيّدت نشاط الصناعيين الصغار بتسعيرة مجحفة لا تغطي كلفة الانتاج ومنعتهم من البيع المباشر للمقاهي واشترطت عليهم عدم التوقف عن العمل حتى لا يتم سحب الرخص منهم ملاحظة ان التسعيرة قد تتلاءم مع المصنعين الكبار وانها في المقابل تعود بالضرر على الشركات الصغرى.
سلمى ذكّرت بأن صغار الصناعيين بعثوا غرفتين جهويتين في صفاقس واريانة للدفاع عن مصالحهم بعد ان لمسوا عدم تجاوب الوزارة معهم وعدم تحمس اتحاد الصناعة والتجارة للدفاع عن قطاعهم.
واتهمت بعض الدخلاء بتهريب ورق التعليب من بلد مجاور وبالتزود بالسكر من تجار بالجملة او ربما من ديوان التجارة كاشفة انهم يروّجون لبضاعتهم على منصات التواصل الاجتماعي على مرأى من السلطات.
تخفيض في الوزن
على غرار سلمى يُعدّ ابراهيم من بين الشبان حديثي الالتحاق بالقطاع بعد ان حصل على تمويل من البنك التونسي للتضامن مكنه من بعث ورشة لتعبة السكر في احدى مدن الشمال الغربي.
ابراهيم أكد ان عائدات شركته باتت تمكنه بالكاد من سداد القرض ودفع رواتب العمال مشيرا الى أن قرابة 200 شركة صغرى اخرى تمر بنفس الازمة.
من جهة أخرى لفت محدثنا الى ان عديد الصناعيين لاحظوا انه يتم التخفيض في وزن اكياس السكر التي يتزودون بها من 50 كلغ الى 48 أو حتى 46 كلغ.
وأبرز ان بعض الصناعيين المتضررين اتصلوا بالوزارة في مناسبتين وان احد المسؤولين طلب منهم انجاز دراسة بالاعتماد على عينة تتكون من 3 شركات لتحديد كلفة تعليب السكر ثم موافاته بها.
وتابع “بعد انجاز الدراسة طالبونا في الوزارة بضرورة توسعة العينة وعدم الاقتصار على ثلاث مصنعين فقط”.
أسبوعية “الشارع المغاربي” اتصلت بآمال بوعبيد المكلفة بالاتصال في وزارة التجارة للاستفسار عن الاجراءات التي يمكن للادارة اتخاذها لانقاذ مئات الشركات من الاندثار فتعهدت باجابتنا ولكننا لم نتلق أية اجابة الى حدود كتابة هذا المقال.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 13 جوان 2023