الشارع المغاربي: لقد توسّعت في تونس وفي ولاية صفاقس على وجه الخصوص دائرة الوافدين غير النظاميين. صارت صفاقس وجهة مكثفة للقادمين لا من دول الساحل الإفريقي فحسب، بل أيضا من دول أخرى كالكامرون والسودان وحتى من اليمن السعيد الممتشقين للخناجر في أحزمتهم. وتنطرح في هذا الشأن طائفة من الأسئلة: من يقف وراء هذه الظاهرة التي لا يمكن أن تكون عفوية؟ كيف يجتاز الوافدون الحدود اجتيازا غير قانوني بهذه الكثافة والسهولة؟ لماذا تُمعن السلطة الرسمية في الصمت؟ هل لها خطة تتعدى”الإحتضان الرئاسي” لممثّلي “الجيل الثاني” من البؤس الإفريقي وتتجاوز الخطب المبهمة؟ هل من وعي بما صار يجري في ولاية صفاقس؟ هل من تدابير تُحكّم القانون وتسبق القادم من الأخطار التي ظهرت اليوم نُذُرها؟ هل من فصل رسمي شجاع لمعايير الأمن القومي عن التوقي من تهم” العنصرية”؟ ماذا يجري قي هذا الشأن بين تونس والإتحاد الأوروبي؟
1/هل تسأل السلطةُ التونسية أو تجيب؟
كل سؤال من تلك الأسئلة إنما يستبطن حزمة من الاحتمالات الخطيرة والخفايا المُريبة والقضايا الشائكة. وإن الجواب عليها هو من واجب السلطة الرسمية التونسية. لكن رأسها قد نسي أنه مطالب بالأجوبة وبما يستتبعها من تدابير، فانضم إلى صف المواطنين السائلين. قال : لماذا يتوافد هؤلاء المهاجرون غير النظاميين على صفاقس حصرا؟!. لقد سار على نهج حمادي الجبالي إذْ سأل، إزاء إحدى الظواهر، قائلا أين الحكومة التي هو وقتئذ رئيسها الماسك لكل سلطاتها.
والظاهر أن التعامل الرسمي مع ما يجري في صفاقس لا يخرج عن الحيرة والتيه والقصور. فقد سبق لرأس السلطة أن قال في الغرض قولا لم يحسن انتقاء ألفاظه فيه، فانهالت عليه تهم”بالعنصرية”جَوّزَها عليه قولُه العاثر بتهديد “جحافل الوافدين لتوازن تونس الديمغرافي”. وقد أصابت تلك التهم الصادرة خاصة عن أوروبا أهدافها، فضلا عن تلك الصادرة عن الهياكل الأممية التي طالبت تونس” بإدماج” المهاجرين غير النظاميين في نسيجها المجتمعي. ومن مظاهر تلك الأهداف المحققة أن السلطة التونسية قد تراخت إزاء استفحال الظاهرة، وتجاهلت كثافتها المحيرة، وتبجح رئيسها بأن تونس أكرم على أولئك المهاجرين من غيرها من الدول، والقصد هو الدول الأوروبية التي رَمَته بالعنصرية.
2/هل صفاقس قربان ماليّ وسياسي؟
ما يبعث على الحيرة والتساؤل هو تدفق المهاجرين غير النظاميين من حدودنا البرية والبحرية تدفقا فوضويا مكثفا.فكيف صارت حدودنا مستباحة إلى هذا الحدّ؟! لعل مشاهد العبور المصوّرة تفيد أن الظاهرة غير عفوية، وأن قوى إقليمية أو دولية أو إجرامية أو إرهابية إنما تديرها من وراء حجاب.
وتزداد الحيرة المتسائلة إزاء اتجاه الوافدين رأسا إلى ولاية صفاقس التي تواصل السلطة الضَّنَّ عليها بتعيين وال في هذا الظرف الصعب. لا بل إن سلطات الولايات الأخرى تدفع هؤلاء الوافدين دفعا إلى حدود صفاقس الترابية. وقد يُردُّ ذلك إلى أن لصفاقس سواحل عبور إلى أوروبا يفضّلها الوافدون. لكن هذا التعليل غير كاف لسببين اثنين. السبب الأول أن صفاقس ليست الولاية الساحلية الوحيدة. ثم إن مِن الولايات التي”تُفرغ” المهاجرين في صفاقس ولايات ساحلية بدورها. والسبب الثاني أن وافدين على صفاقس كُثرا لا يُظهِرون حرصا على العبور إلى أوروبا وإنما على الإقامة في صفاقس من دون أية وثيقة تضبط هوياتهم العامة والخاصة وطرق قدومهم . وإن إقامتهم في صفاقس صارت اليوم ظاهرة قائمة الذات بمختلف جوانبها، وصارت تترتب عليها قضايا ومشاهد وأحداث لا تتحمل المدينةُ فداحتَها.
والمرجّح أن رأس السلطة أذعن على وجه الخصوص لإرادة أوروبا التي اتّخذ ساستُها تونس مزارا. وإن لهم في ذلك هواجس تتعلق بالهجرة غير النظامية إلى ترابهم. وتفصح أغلب الدلائل على أن أوروبا تحرص على أن تحمل عنها تونسُ أعباءَ الهجرة غير النظامية الراهنة والقادمة. ولعل الخطاب الرسمي الموجه إلى التونسيين هو مجرد تغطية عن الإذعان الرسمي لتلك الإرادة. ويعود هذا الإذعان، لو صحّ، إلى غايتين اثنتين. الغاية الأولى هي الحرص الرسمي التونسي على إرضاء أوروبا من أجل أن تشد أزر تونس المتهالكة ماليا. وقد لخصت هذا الحرصَ النصيحةُ التي وجهها وزيرُ خارجية أمريكا إلى الأوروبيين والتي بيانها أن تونس اليوم “فرصة” سانحة للتطويع في هذا الشأن والإخضاع. والغاية الثانية هي حرص رأس السلطة على أن تردّ له أوروبا التحيةَ بإسناده السياسي في الموعد الإنتخابي الرئاسي القادم، والذي يبدو اليوم أنه بوصلة سعيد الأولى إن لم تكن الوحيدة.
وإذا صحَ ذلك، وهو في أدنى الأحوال مرجح، فقد صحّ أن رأس السلطة الذي زار صفاقس زيارةَ تعاطف مع الأفارقة المقيمين فيها على خلاف الصيغ القانونية، إنما هو بصدد التضحية بهذه الولاية قربانا ينال به من أوروبا الدعم المالي والدعم السياسي الخاص به.
وليس مستبعدا أن تلك الزيارة قد منحت الأفارقة جرأة على مزيد القدوم وعلى إظهار وجه لهم عنيف مخيف. وليس أبلغ تعبيرا عن ذلك مما جرى في أحياء: “البحري” و” الحفارة و”الربط” فضلا على” الأنس” وعلى ما يجري خاصة في معتمديتي جبنيانة والعامرة. وما يبعث على مزيد التخوف هو أن أغلب الذين طالت إقامتهم ولم يحصّلوا شغلا يقتاتون منه قد فتكت بهم الخصاصة، ما دفعهم إلى التدرج في السرقة والخلع ونهب لبوس النساء الذهبي. ويصعب التصدي القانوني لهؤلاء رغم تصوير بعضهم بالكاميرات. فلا أحد يعرفهم بصفة شخصية ولا هويات لهم البتة ولا وثائق.
إن هذا الملف الذي يهدد الأمن القومي ملفوف بالريبة والغموض، لا سيما أن السلطة الرسمية تمارس التقية في شأن ما قد تتعاقد عليه مع الإتحاد الأوروبي.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 جويلية 2023