الشارع المغاربي: قال منذ أيام الأمين العام المساعد في”الإتحاد” صلاح الدين السالمي إن منظمة حشاد تعيش اليوم أزمة تفوق أزمتَيها في 1978 وفي .1985 و يبدو هذا القول صائبا لأنه شهادة شاهد من الأهل، ولأنه تأكيد لما صار يراه بالعين المجردة القاصي والداني. فالإتحاد يعيش اليوم “حالة بطالة” بعبارة النقابي نفسه، وهي بطالة يرافقها تفكك هيكلي صار به كل هيكل قطاعي أو جهوي أو محلي بمثابة الكيان القائم بذاته، ولا “سلطة “لأحد على أحد، إلى درجة أن الأمين العام نفسه صار عاجزا عن “التدخل لحل أبسط المشاكل” بشهادات شاهد من أهله مرة أخرى.
1/ فخاخ السلطة:
لعل أفدح خطأ أوقع فيه الإتحاد نفسه بعد سنة 2014 هو انتقاله المتدرّج من موقع الشريك الإجتماعي إلى موقع الشريك السياسي. وهو انتقال حاد به عن هواجس المجتمع والدولة إلى هواجس السلطة والحكم . وإنّ لذلك أشكالا ثلاثة شبه قاتلة.
أما الشكل الاول فخلاصته أن الإتحاد صار مكملا للسلطة ، رديفا لها ، موصولا بها، متحركا في فلكها، متوخيا دورا له فيها عنوانه المشترك بينه وبينها هو”حديثنا أمام الناس وحديثنا وحدنا”. وترجمان ذلك غض للنظر متبادل عما يقترف كل طرف من أخطاء في مجاله وفي المجالات التي يتلامسان فيها ويتماسكان.
و أما الشكل الثاني، المسنود على الأول، فهو الإستقواء المتهور الذي صار يظهره لفيفٌ من النقابيين وما يستتبعه من نفوذ يُحظَون به وتُحظى به دوائرهم العائلية. وظاهر هذا الإستقواء شعار” الإتحاد أكبر قوة في البلاد”، وباطنه الحصانة المتأتية من حبل الوصل بالسلطة المعقود بالتواطؤ المتبادل عملا بمثل: لقد دفناه معا”، ولا محايدة لأحد على أحد.
وأما الشكل الثالث فهو هرولة القادة النقابيين إلى المناصب في السلطة. وبهذه الهرولة اخترقت السلطةُ الإتحاد بمعول قادة فيه من الصف الأول. وقد أظهر هؤلاء النقابيون الذين يحصّلون السلطة حرصا على أن يكونوا” ملكيين أكثر من الملك”. وليس أدل على ذلك مما يجري اليوم بين قطاع التربية والسلطة بواسطة الوزير البوغديري الذي كان أمينا عاما في الإتحاد ، واليعقوبي، صديقه، رأس الجامعة العامة للتعليم الثانوي. فقد حيد الوزير، بمؤازرة صديقه، قطاع التعليم الثانوي ، والإستفراد بقطاع التعليم الأساسي استفرادا ذهب به الوزير إلى أقاصي التشدد الذي هو تنفيذ حرفي لما يرى رأس السلطة. وزاد الوزير على إعفاء مديرين في الأساسي وعلى اقتطاع أجور مُدرّسيه ، بحملة حط من منازل المعلمين لا تُحمَد عقباها التربوية والوطنية.
وبصفة مباشرة وتراكمية، ترتبت على ذلك جملة من النتائج التي يجمع بينها انحدارُ الإتحاد إلى الدرك الأسفل من الوهن. من ذلك اهتزاز ثقة المنظورين في منظمتهم، وظهور حالات من الإنسلاخ. وقد ازداد ذاك الإهتزازُ بكون أمين عام الإتحاد طو أعضاء مكتبه التنفيذي قد أصابهم صمم وخرس إزاء ما يجري في قطاع التعليم الذي هو مركز الثقل التقابي الأول.
ومن ذلك الصورة الكريهة التي صار يحملها الرأي العام عن النقابيين على الشياع. وتنذر هذه الصورة باندثار أدوار الإتحاد اندثارا به يختل التوازن المجتمعي أو تخرج المطالب الإجتماعية عن التأطير النقابي.
ومن ذلك الإستخاف الرسمي بالاتحاد وتجاهله تجاهلا مهينا بعد أن تعلق بركبها، وبعد أن حاد عن الدولة والمجتمع، وصار يقترح “حوارا” لا آذان له صاغية رسمية وغير رسمية. وقد استغل رأس السلطة اليوم هذا التراكم من الأخطاء، فاقتدر ، وهو القادم مما وراء “بلايك” السياسة، على أن يطوّح بالاتحاد ويستصغره تطويحا واستصغارا لم يقدر عليهما سابقوه. وزاد موقع السلطة ،قوة إزاء الإتحاد، بمسكها برقاب قادة فيه” لديهم ملفات” على رأي الأمين العام المساعد في الإتحاد صلاح الدين السالمي.
2/إنطفاء الإتحاد في الخارج:
إنّ الحال التي صار عليها الإتحاد في الداخل، والتي زاد تدهورها بشهادات تقابين فيه بصفات مبلّغين عن ” الفساد”، قد تعدت إلى صورته في الخارج. فقد شارف هناك إشعاعه على تمام الإنطفاء. فجهات الإقراض كفّت عن اشتراط أن يكون الإتحاد شريكا في أي اتفاق محتمل. ومجلس إدارة “منظمة العمل الدولية” صرف نظرا عن الشكوى التي تقدم بها إليه الإتحاد، حتى أن ممثلَيها قد تغيبا عن الجلسة مع ممثلَي الإتحاد في سفارة النرويج ، على نحو كان مقررا. وليس ذلك صدفة. فهو تأكيد لكون المنظمة الشغلية التونسية قد فقدت إشعاعها الداخلي فقدا لا بدّ أن يترتب عليه انطفاؤُه في الخارج. ذلك أن المعيار الذي يحتكم إليه الخارج، سواء كان جهة تقابية أو مالية أو سياسية أو حقوقية، إنما هو الحظوة التي في الداخل ورصيد الثقة والتأثير في الصعيد الوطني. لقد فرط الإتحاد في مكاسب أثيرة في الداخل تعدى صداها إلى الجارج.
لعل الإتحاد هو اليوم في لحظة مفصلية، فإما أن يكون أو لا يكون. فهل له أن يفكك ملفاته التي تجلب له الضغط والإستضعاف وإن يتحمل المسؤوليات؟ وهل له أن يمارس النقد الذاتي النزيه الصريح؟ وهل له أن يبعد قادته الذين فقدوا شرعيتهم ونقاوة صورتهم أمام التقابيين والرأي العام ، وهل له أن يستعيد هاجس الذود عن الدولة والمجتمع ومنظوريه بعيدا عن ركاب الحكم والسلطة ؟ وهل له أن يعقد مؤتمرا ديمقراطيا ينتج قادة جددا ولوائح جديدة تستعيد بها هذه المنظمة العريقة أدوارها الأصيلة وتدرك جيدا خانة الأصدقاء وخانة الخصوم ، بعيدا عن الذهنية المتكلسة والشعارات المفلسة والمنفصلة عن لحظتها التاريخية،؟!.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 جويلية 2023