الشارع المغاربي: منذ ايام قليلة اصدر نوفل سعيد او «شقيق رئيس الجمهورية» مثلما أصبح يُلقب «توضيحا للرأي العام» اكد فيه ان مواقفه المنشورة على صفحته الرسمية بموقع فايسبوك لا تُلزم الا شخصه وأنه «ليس ناطقا باسم أية جهة كانت»، سعيد اضطر لإصدار هذا التوضيح بعد أن اصبح دوره في علاقة بمؤسسة رئاسة الجمهورية محل تساؤلات وانتقادات.
اصبحت الصفحة الرسمية لـ»نوفل سعيد» قبلة المتابعين للشأن الوطني بالنظر الى شح المعلومة الرسمية في ظل السياسة التواصلية لرئاسة الجمهورية القائمة على غياب التواصل وبذلك باتت هذه الصفحة الوجهة الطبيعية لكل باحث عن اخبار من الرئاسة يجد ضالته فيها باعتبار ان صاحبها شقيق الرئيس لا ينطق الا بهواه وبما يتماشى وبتماهى مع خطه ومواقفه .
في البداية لم تثر تدوينات نوفل سعيد أي اشكال الى حين دخول الرئاسة معترك المناكفات والتجاذبات ومع احتدام الازمة السياسية بين الرئاسات الثلاث، وايضا مع الروايات المتناقلة في الكواليس حول دور لعبه «الشقيق» في هندسة القرارات وفي التعيينات ولقاءاته مع فاعلين من مختلف القطاعات شملت حتى رجال اعمال يصنفون في دوائر الرئيس والمحيط الداعم له بالفاسدين والمستكرشين ومدمري اقتصاد البلاد.
قطعا لا احد يعلم باستثناء الدوائر الضيقة، حقيقة تمتع شقيق الرئيس بنفوذ في القصر الرئاسي وان كان ما يدلي به من مواقف يتجاوز صفة» مواطن حرّ في دولة حرّة»، وفق التعبير الذي استعمله في توضيحه للرأي العام، أم أنه يلعب دورا يمثل تمظهرا جديدا للتداخل الكريه والخطير بين الدولة والعائلة وما يعني ذلك من نكوث الرئيس قيس سعيد بوعده الصارم في ابعاد عائلته عن التأثير في القرار الوطني.
من هو نوفل سعيد ؟
عكس قيس سعيد، الذي عرف السياسة وهو في الـخمسين، دخل «نوفل» غمار النشاط السياسي منذ شبابه ويقول كثيرون انه كان في شبابه متأثرا بالقيادي التاريخي في الاتجاه الاسلامي حميدة النيفر الذي اسس معه سنة 2013 رابطة تونس للثقافة والتعدد، وتقلد سعيد منصب نائب لرئيسها.
يُحسب سعيد على الاسلاميين، وله شبكة صداقات واسعة في حركة النهضة وهو من خبراء القانون الدستوري الذين كانوا من ضيوف ما كان يسمى خلال اولى سنوات ما بعد الثورة بـ«الاعلام البديل»، وكان في المقابل غائبا عن كبريات وسائل الاعلام ولا يظهر في كوكبة استاذة القانون الدستوري باعتبار ان الشقيق الاكبر كان انذاك يلعب هذا الدور.
ونوفل هو الشقيق الاصغر للرئيس سعيد الذي له 4 اخوة (اخوان واختان)، واثّر قربه من شقيقه في مساره الدراسي ثم المهني ليتحول من الاستاذية في احد الاختصاصات الى دراسة القانون والتخصص في القانون الدستوري دون ان يكون لهما نشاط سياسي او جمعايتي مشترك ولم يكن «نوفل» من مرافقي شقيقه سعيد في السنوات العشر الاخيرة التي قضاها «قيس» يجوب البلاد حاملا لمشروعه «اعادة التاسيسي».
خلال تلك الفترة كان الشقيق الاصغر منشغلا بالندوات الفكرية في «الرابطة» مع رئيسها حميدة النيفر، وهذه الرابطة تقدم نفسها على انها «تعمل بوسائل التوعية المدنية المختلفة على إرساء الاعتقاد بأنه لا مجال لأية قوة سياسية مهما كان مشربها الأيديولوجي أن تتحرك إلا تحت السقف الذي حددته الثورة. وتقول انه «يمكن اختصار هذا السقف في مبدأين: يتمثل الأول في أن الحقل السياسي لا يمكن أن يصادر لفائدة حزب أو حركة أو فصيل، ويتمثل الثاني في تحييد عنف الدولة المنظم عن دائرة الصراع السياسي بما يجعلها تقوم بدورها كاملا في حفظ السلم والأمن الاجتماعيين.».
7 سنوات امضاها نوفل سعيد ناشطا في هذه الرابطة التي لها ارتباطات بجمعيات ومنظمات في الداخل والخارج، واخر ظهور له في منشوراتها على صفحتها الرسمية بموقع فايسبوك يعود الى يوم 25 جويلية 2019، يوم وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عبر اعادة الرابطة نشر حوار له على قناة الزيتونة بصفته نائبا لرئيس الرابطة وايضا استاذا للقانون الدستوري.
والملاحظ (يمكن العودة الى المداخلة) ان نوفل سعيد ثمن اعتماد محمد الناصر بصفته رئيسا للبرلمان نظرية الاجراء المستحيل حتى تستمر مؤسسات الدولة بعد وفاة الرئيس.
انقطعت علاقة نوفل بالرابطة منذ شهر جويلية 2019، والامر يبدو مفهوما اذ ان موعد اللقاء السياسي بالشقيق الاكبر حل مع تأكد الترشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها التي انتظمت في دورها الاول يوم 15 سبتمبر 2019، وهكذا بدأت الرحلة بين الشقيقين.
خلال فترة الحملة كان «نوفل» هو المستشار الخاص لشقيقه، وضابط مواعيد الحوارات، وكان حضوره لافتا خاصة في لقاء عقد مع اعلاميين في مقر حملة سعيد وسط العاصمة بعد الاعلان عن نتائج الدور الاول من الانتخابات، وظهر «نوفل» كصاحب القول والفصل.
بعد الدور الاول، لعب «نوفل» دور الوسيط مع حركة النهضة، حسب ما أكد لـ«الشارع المغاربي» مصدر من الفريق المقرب من قيس سعيد. المصدر قال ان سعيد رفض لقاء مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وانه رفض ان تدعمه الحركة بخزانها الانتخابي مبرزا ان الشقيق الاصغر كان على اتصال بقيادات منها ذاكرا على سبيل المثال عبد اللطيف المكي ونور الدين البحيري.
شقيق الرئيس
كاد نوفل سعيد ان يكون مستشارا في الرئاسة، حسب ما كشف لـ«الشارع المغاربي» احد المشاركين في «موكب تسلم وتسليم السلطة» وكان في القصر الرئاسي خلال الاشهر الاولى من عهدة سعيد الرئاسية. ويبدو ان «نصيحة ذهبية» تلقاها الرئيس سريعا ابعدت الشقيق الاصغر من الفوز بمنصب رسمي في مؤسسة رئاسة الجمهورية.
يُوصف «نوفل» من قبل البعض بالمتعاون والمتفهم لطبيعة الوظيفة السيادية العليا لشقيقه الاكبر وبانه حامل لمبادئ شقيقه وحريص على «صونها» وعلى عدم الزح به في «متاهات» من قبيل تدخل العائلة في تسيير شؤون الدولة، وهناك شهادات تؤكد انه لم يزر القصر الرئاسي مطلقا.
هذا ما كان يقال خلال الاشهر الاولى من تولي سعيد الرئاسة، فترة كان خلالها محاطا بمستشارين مخضرمين، لكن يبدو ان الحال تغير بخروج الفريق الاستشاري الذي رافق قيس سعيد خلال تلك الاشهر ومنذ ذلك الوقت يبدو ان مياها عديدة تحركت وان «شهوة» السلطة ضربت الشقيق الاصغر.
فمن الروايات المتداولة، ان «نوفل الذي وجد نفسه مبعدا ودون نفوذ في الرئاسة، كان من بين «الدافعين» لاعادة تركيبة الفريق الاستشاري لقيس سعيد. اصحاب هذه الرواية يؤكدون ان تأثيره في المشهد بات واضحا بعد خروج المستشارين السابقين مذكرين مثلا بالتقارب الذي حصل بين قيس سعيد والوزير السابق للشؤون الاجتماعية الحبيب كشو الذي دخل بفضل دعم الشقيق الاصغر قائمة المرشحين المحتملين، انذاك، لخلافة الياس الفخفاخ.
والكشو هو صديق مقرب لنوفل سعيد ورفيقه منذ سنوات الدراسة، وقد يكون لشقيق الرئيس الفضل في اعادته لمنصبه كمدير عام لشركة النفط المشتركة التونسية الليبية. والمعلوم ان التسمية تمت عبر مراسلة صادرة عن رئاسة الجمهورية، وأثارت جدلا واسعا لما تضمنت بين طياتها من محاباة واضحة.
الى ذلك اصبح دور نوفل سعيد يُذكر على اكثر من صعيد خصوصا فيما يتعلق بالتعيينات خاصة الدبلوماسية منها، علاوة على لقاءات مع اطباء في علاقة بملف كورونا وايضا مع رجال اعمال حول مبادرة الصلح الجزائي ومع فاعلين في المجتمع المدني ونواب، وطبعا مثل هذه اللقاءات والتدخلات لا يقوم بها نوفل سعيد بصفته «مواطن حر في دولة حرة» .
تدريجيا تحول نوفل سعيد من ناشط في المجتمع المدني واستاذ في القانون الدستوري الى «شقيق الرئيس». وقد تكون الازمة السياسية سلطت عليه الاضواء لا سيما مع نشاطه المكثف على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي من خلال تدوينات تجاوزت تقديم قراءات دستورية ومواقف وردودا وتوضيحات الى التهديد والوعيد. وككل المعارك السياسية التي تنحرف في ظل انعدام الافق وغياب الحوار الى معارك لااخلاقية تتعدد فيها المغالطات والتضخيم والتخويف، بات نوفل سعيد يُشبه بـ«السعيد بوتفليقة» شقيق الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة.
لا أوجه للشبه طبعا بين «نوفل» والسعيد بوتفليقة ولا يمكن للاول ان يكون نسخة عن الثاني، نظرا للاختلاف الكبير في السياقات وخاصة في الدور القذر الذي كان يلعبه «السعيد بوتفليقة» وساهم فيه الوضع الصحي لشقيقه الرئيس. لكن مع هذا فإن حتى دورا بسيطا لـ«نوفل» في المشهد بصفته شقيق الرئيس يُثير في حد ذاته الارتباك والتوجس بالنظر الى التاريخ الاسود للتداخل العائلي في الدولة واخرها خلال فترة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
المؤكد ان مراجعات وتوضيحات باتت اكثر من ملحة بالنسبة لرئاسة الجمهورية وللرئيس قيس سعيد حتى لا تنهار الوعود التي دخل بها الرئاسة وحتى لا تحوله السلطة الى شبيه بسابقيه لأن ما يُتناقل في الساحة حول تدخل العائلة في ادارة شؤون الرئاسة وفي رسم خياراتها وتعييناتها لا يتعلق فقط بالشقيق وانما يشمل ايضا الزوجة القاضية اشراف شبيل بل وحتى افرادا من عائلتها.
نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 23 فيفري 2021