الشارع المغاربي – على وقع الأزمات التي يمر بها قطاع التعليم: كاد‭ ‬المُعلم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خَروفا‭ !‬/ بقلم: صالح مصباح

على وقع الأزمات التي يمر بها قطاع التعليم: كاد‭ ‬المُعلم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خَروفا‭ !‬/ بقلم: صالح مصباح

قسم الأخبار

19 يوليو، 2023

الشارع المغاربي: أليس‭ ‬وجيها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للمدرسين‭ ‬مطالب‭ ‬يحتجون‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬عند‭ ‬الإقتضاء؟‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬مستوجبا‭ ‬أن‭ ‬يحتجّ‭ ‬قطاعُ‭ ‬المعلمين‭ ‬بحجب‭ ‬أعداد‭ ‬التلاميذ‭ ‬حصرا؟‭ ‬وأن‭ ‬تتجاهل‭ ‬نقابتُهم‭ ‬العامة‭ ‬استفرادَ‭ ‬السلطة‭ ‬بهيكلهم‭ ‬النقابي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حيّدت‭ ‬نظيره‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الثانوي‭ ‬بصفقة‭ ‬سياسية؟‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬لزوما‭ ‬أن‭ ‬تتصلب‭ ‬السلطة‭ ‬إزاء‭ ‬المعلمين‭ ‬تصلبا‭ ‬قصِيّا‭ ‬وأن‭ ‬تصنع‭ ‬فجوة‭ ‬أولى‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬الأولياء‭ ‬وثانية‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬المعلمين‭ ‬وثالثة‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬المديرين؟‭  ‬هل‭ ‬كان‭ ‬ضروريا‭ ‬أن‭ ‬تنتظم‭ ‬،‭ ‬بتدبير‭ ‬مدروس،‭ ‬حملةُ‭ ‬ترذيل‭ ‬للمعلمين‭ ‬ولهيكلهم‭ ‬النقابي‭ ‬القطاعي‭ ‬و‭”‬العام‭”‬؟‭.‬

1/‬هل‭ ‬ينصف‭ ‬التأجير‭ ‬المعلمين؟

يتأكد‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬التأجير‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬لا‭ ‬ينصف‭ ‬المدرسين‭. ‬ويثبت‭ ‬ذلك‭ ‬مقياسٌ‭ ‬محايد،‭ ‬وهو‭ ‬مقياس‭ ‬التنظير‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬الأجراء‭ ‬العموميين‭. ‬فأجرة‭ ‬المعلم‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬الباكالوريا‭ ‬وعلى‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الأقدمية‭ ‬تساوي‭ ‬أجرة‭ ‬عريف‭ ‬في‭ ‬الديوانية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬مبتدئ،‭ ‬غير‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬الباكالوريا‭. ‬وحين‭ ‬يتقاعد‭ ‬هذا‭ ‬العريف‭ ‬تقارب‭ ‬جرايتُه‭ ‬ضعفَ‭ ‬جراية‭ ‬تقاعد‭ ‬أستاذ‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الثانوي‭ ‬أو‭ ‬الأساسي‭. ‬وإنّ‭ ‬معلما‭ ‬متخرجا‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الأعلى‭ ‬للمعلمين،أي‭ ‬بكالوريا‭ ‬زايد‭ ‬2،‭ ‬ذا‭ ‬أقدمية‭ ‬بثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬تعادل‭ ‬أجرتُه‭ ‬أجرة‭ ‬عريف‭ ‬أول‭ ‬في‭ ‬الديوانية‭ ‬مبتدئ،‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬الباكالوريا‭ ‬فحسب‭. ‬وإن‭ ‬أجرة‭ ‬معلم‭ ‬أو‭ ‬أستاذ‭ ‬مبتدئ،‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬الإجازة‭ ‬أو‭ ‬الأستاذية،‭ ‬تساوي‭ ‬أجرة‭ ‬عامل‭ ‬في‭ ‬قباضة‭ ‬مبتدئ‭ ‬وتقارب‭ ‬أجرة‭ ‬عامل‭ ‬بلدي‭ ‬مبتدئ‭. ‬وإن‭ ‬أجرة‭ ‬إطار‭ ‬بنكي‭ ‬عمومي‭ ‬تقارب‭ ‬ضعف‭ ‬أجرة‭ ‬نظيره،‭ ‬شهادةً‭ ‬وأقدميةً،‭ ‬في‭ ‬التعليم‭. ‬وإن‭ ‬أجرة‭ ‬سائق‭ ‬حافلة‭ ‬في‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭ ‬تفوق‭ ‬أجرة‭ ‬أستاذ‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬الإجازة‭ ‬وعلى‭ ‬الماجستير‭ ‬وإن‭ ‬فاقه‭ ‬أقدميةً‭. ‬وإن‭ ‬أجرة‭ ‬قاض‭ ‬مبتدئ‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬الإجازة‭ ‬وعلى‭ ‬سنتي‭ ‬تكوين‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬الأعلى‭ ‬للقضاء،‭ ‬أي‭ ‬بكالوريا‭ ‬زايد‭ ‬5،‭ ‬تساوي‭ ‬أجرة‭ ‬أستاذ‭ ‬محاضر‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬،‭ ‬يمكن‭ ‬تقدير‭ ‬مؤهلاته،‭ ‬علميا‭ ‬ومهنيا،‭ ‬ببكالوريا‭ ‬زايد‭ ‬12‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

2/‬هل‭ ‬يصح‭ ‬احتجاج‭ ‬المعلمين‭ ‬بحجب‭ ‬الأعداد؟‭ ‬

يدرك‭ ‬عموم‭ ‬المدرسين‭ ‬أنهم‭ ‬ضحايا‭ ‬حيف‭ ‬في‭ ‬التأجير،‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭. ‬وإزاء‭ ‬تجاهل‭ ‬السلطة‭ ‬لهذا‭ ‬الحيف‭ ‬ولِتَبعاته‭ ‬الوطنية،‭ ‬احتج‭ ‬المعلمون‭. ‬وقد‭ ‬اختاروا‭ ‬حجب‭ ‬أعداد‭ ‬تلاميذهم‭ ‬وسيلة‭ ‬ضغط‭ ‬واحتجاج‭.‬

وليس‭ ‬هذا‭ ‬الإختيار‭ ‬بكارثة‭. ‬وفي‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ ‬ليس‭ ‬بالسليم‭. ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬بكارثة‭ ‬تربوية‭ ‬أو‭ ‬إنسانية،‭ ‬وإن‭ ‬راج‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬حجب‭ ‬الأعداد‭ ‬حجبا‭ ‬رسميا‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬متاحة‭ ‬للتلاميذ‭ ‬والأولياء‭. ‬وقد‭ ‬وضع‭ ‬أغلب‭ ‬المعلمين‭ ‬والمديرين‭ ‬تدابير‭ ‬يتسنى‭ ‬بها‭ ‬للأولياء‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الأعداد‭ ‬واحتساب‭ ‬المعدلات‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬الحجب‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬بالخيار‭ ‬السليم‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬ثلاث‭. ‬الزاوية‭ ‬الأولى‭ ‬أنه‭ ‬أدرج‭ ‬شأن‭ ‬التلاميذ‭ ‬في‭ ‬احتجاج‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬به‭ ‬صلة‭ ‬مباشرة‭. ‬الزاوية‭ ‬الثانية‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحجب‭ ‬قد‭ ‬وسّع‭ ‬دائرة‭ ‬المشكل‭ ‬فتعدّى‭ ‬الإطار‭ ‬التعليمي‭ ‬وصار،‭ ‬بتدخل‭ ‬أولياء‭ ‬التلاميذ،‭ ‬قضيةً‭ ‬إعلامية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬وسياسية‭. ‬وبهذا‭ ‬التوسع‭ ‬،‭ ‬تعددت‭ ‬اطراف‭ ‬المشكل،‭ ‬وتشابكت‭ ‬حساباته،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬السياسية‭ ‬الرسمية‭. ‬الزاوية‭ ‬الثالثة‭ ‬أن‭ ‬النقابة‭ ‬العامة‭ ‬للتعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬قد‭ ‬غفلت‭ ‬،‭ ‬باختيارها‭ ‬ذاك‭ ‬الحجب،‭ ‬عن‭ ‬توقّع‭ ‬أن‭ ‬تعمَد‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬فعلها‭ ‬المعهود‭ ‬البائس،‭ ‬وهو‭ ‬تأليب‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬المعلمين،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بشطط‭ ‬وغلوّ‭ ‬وإصرار‭.‬

3/‬لماذا‭ ‬تتصلب‭ ‬السلطة؟

خضعت‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬والنقابة‭ ‬العامة‭ ‬القطاعية‭ ‬لموازين‭ ‬القوى‭ ‬ولم‭ ‬تخضع‭ ‬لأي‭ ‬اعتبار‭ ‬آخر،‭ ‬وطنيا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬تربويا‭. ‬وبانتهازية‭ ‬سياسية‭ ‬،‭ ‬أحسنت‭ ‬السلطةُ‭ ‬قراءةَ‭ ‬تلك‭ ‬الموازين‭ ‬فتصلّبت‭ ‬وام‭ ‬تحسن‭ ‬ذلك‭ ‬النقابة‭ ‬فلم‭ ‬تُتقِن‭ ‬المناورة،‭ ‬لأنها‭ ‬اختارت‭ ‬نمط‭ ‬ضغط‭ ‬يقتضي‭ ‬منها‭ ‬قوةَ‭ ‬المواجهة‭ ‬ليست‭ ‬متاحة‭ ‬لها‭.‬

لم‭ ‬تحسن‭ ‬النقابة‭ ‬قراءة‭ ‬موازين‭ ‬القوى،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬أنها‭ ‬فاقدة‭ ‬لتلك‭ ‬القوة‭ ‬المطلوبة‭ ‬لسببين‭ ‬اثنين،‭ ‬عام‭ ‬وخاص‭. ‬أما‭ ‬السبب‭ ‬العام‭ ‬فهو‭ ‬غفلة‭ ‬النقابة‭ ‬القطاعية‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬الإتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل،‭ ‬سندا‭ ‬للإحتجاح‭ ‬ومظلةً‭ ‬له‭ ‬مُفتَرضَين،‭ ‬قد‭ ‬أنهك‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه‭ ‬إنهاكا‭ ‬تيسّر‭ ‬به‭ ‬للسلطة‭ ‬أن‭ ‬تضعه‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬القصور‭. ‬فهو‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬بالجدار‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستقويَ‭  ‬النقابةُ‭ ‬القطاعية‭ ‬بحمايته‭ ‬وباستنهاضه‭ ‬للتضامن‭ ‬النقابي‭ ‬الموسع‭.‬

وأما‭ ‬السبب‭ ‬الخاص‭ ‬فهو‭ ‬غفلة‭ ‬نقابة‭ ‬الأساسي‭ ‬العامة‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬السلطة‭ ‬قد‭ ‬هيأت‭ ‬أسبابَ‭ ‬استضعاف‭ ‬القطاع‭ ‬وهيكله‭ ‬والإستفراد‭ ‬بهما‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حيّدت‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ ‬الثانوي‭ ‬بصفقة‭ ‬بين‭”‬الحاكم‭ ‬النقابي‭”‬البوغديري،‭ ‬و‭”‬النقيب‭ ‬الحكومي‭” ‬اليعقوبي‭.‬

لكن‭ ‬السلطة‭ ‬أحسنت‭ ‬قراءة‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭. ‬فقد‭ ‬راهنت‭ ‬على‭ ‬وَهَن‭ ‬المنظمة‭ ‬الشغلية‭ ‬وعلى‭ ‬عزلة‭ ‬النقابة‭ ‬العامة‭ ‬القطاعية،‭ ‬فأظهرت‭ ‬تصلبا‭ ‬قصيا‭ ‬مغاليا‭ ‬،‭ ‬دفعت‭ ‬به‭ ‬العلاقة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬أرادت‭ ‬بها‭ ‬إخضاعه‭ ‬وتركيعه‭. ‬فقد‭ ‬أقرت‭ ‬إعفاء‭ ‬المديرين‭ ‬وحجب‭ ‬أجور‭ ‬المدرسين‭ ‬والتلويح‭ ‬بآفاق‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬تبلغ‭ ‬درجة‭ ‬التنكيل‭ ‬والرفس‭ ‬بالقضاء،‭ ‬كما‭ ‬نادى‭ ‬بذلك‭ ‬أحد‭ ‬بطانة‭ ‬السلطة‭.‬

وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬حادت‭ ‬الوزارة‭ ‬بالمواجهة‭ ‬عن‭ ‬سياقها‭ ‬النقابي‭ ‬إلى‭ ‬الحسابات‭ ‬السياسية‭ ‬المتعلقة‭”‬بقوة‭ ‬الدولة‭” ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نراها‭ ‬إلا‭ ‬ها‭ ‬هنا،‭ ‬وبأن‭ ‬المعلمين‭ ‬يعادون،‭ ‬بطريقة‭ ‬احتجاجهم،‭ ‬مسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ “‬المقدس‭”‬و‭ ‬صانعه‭ ‬المفدّى،‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬قارع‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الوزير‭ ‬النقابي‭ ‬جدا،‭ ‬فكيف،‭ ‬ضمنيا،‭ ‬بالمعلمين‭ ‬ونقابتهم‭ ‬المعزولة‭ ‬و‭”‬اتحادهم‭ ‬العام‭” ‬المُهترئ‭!.‬

4/‬هل‭ ‬يصح‭ ‬ترذيل‭ ‬المعلم؟

لعلنا‭ ‬لم‭ ‬نتصور‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نظر‭ ‬السلطة‭ ‬قصيرا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬حسيرَ‭ ‬الأفق‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬قد‭ ‬انخرط‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬ترذيل‭ ‬المعلمين‭ ‬ترذيلا‭ ‬غريبا‭ ‬تقدّه‭ ‬عبارات‭ “‬المقاومة‭”‬و‭” ‬الفضائح‭” ‬و‭” ‬الإجرام‭”‬،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬صيغ‭ ‬التحدي‭ ‬والمغالبة‭ ‬ونحو‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يشتقّه،‭ ‬بَبَّاغاويا،‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬متوقعا‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬أكد‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تتكرر‭ ‬دائما‭ ‬،‭ ‬وآيتها‭ ‬أن‭ ‬النقابي‭ ‬أو‭ ‬اليساري‭ ‬الذي‭ ‬يمسك‭ ‬السلطة‭ ‬يكون‭ ‬سلطويا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬السلطة،‭ ‬فيسخِّرَ‭ ‬لها‭ ‬سوابق‭ ‬تجاربه‭ ‬وعلاقاته‭ ‬تسخيرا‭ ‬يتعدى‭ ‬حدود‭ ‬العقلانية‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يأتيها‭ ‬وافدا‭ ‬شريدا‭ ‬غريبا‭ ‬على‭ ‬بنيتها‭ ‬المؤسسية‭.‬

لقد‭ ‬أشاع‭ ‬الوزير،‭ ‬إزاء‭ ‬المعلمين،‭ ‬لا‭ ‬خطاب‭ ‬التشويه‭ ‬والترذيل‭ ‬والحط‭ ‬من‭ ‬المنزلة‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬خالطه‭ ‬بخطاب‭ ‬الوعيد‭ ‬والتهديد‭ ‬والتخويف‭. ‬وإنه‭ ‬خطاب‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬المعلم‭ ‬خروفَ‭ ‬تضحية‭ ‬في‭ ‬معبد‭ ‬السياسة،‭ ‬به‭ ‬يعلو‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬ويقوَى‭ ‬من‭”‬قوة‭ ‬الدولة‭” ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ينفك‭ ‬عن‭ ‬التذكير‭ ‬بأنها‭ “‬هناك‭”. ‬فلعل‭ ‬الوزير،‭ ‬ناطقا‭ ‬بلسان‭ ‬الرئيس‭ ‬وحريصا‭ ‬على‭ ‬إخافة‭ ‬المعلم‭ ‬وعلى‭ ‬جعله‭ ‬فديةَ‭ ‬ذبح‭ ‬سياسيةً،‭ ‬إنما‭ ‬يعارض‭ ‬بيت‭ ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬ببيت‭:” ‬قم‭ ‬المعلم‭ ‬وفِّه‭ ‬التّخوِيفَا‭/ ‬كاد‭ ‬المعلم‭ ‬أم‭ ‬يكون‭ ‬خروفا‭”.‬

وتأثرت‭ ‬خطى‭ ‬الوزير‭ ‬حملةٌ‭ “‬مواطنية‭” ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬عن‭ ‬العفوية‭ ‬والتلقائية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إذاعات‭ ‬معلومة‭ ‬الهوى،‭ ‬موضوعها‭ “‬إجرام‭ ‬المعلم‭ ‬وجشعه،‭ ‬وافتقاره‭ ‬للأخلاق‭ ‬والمسؤولية‭” ‬تتخللها‭ ‬إشادة‭ ‬شعبوية‭ ‬بائسة‭ ‬بالوزير‭ ‬المنكل‭ ‬بالمعلمين‭ ‬وبالرئيس‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تعلو‭ ‬قوة‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬دفاعه‭ ‬عن‭”‬أبناء‭ ‬الشعب‭”.‬

ولم‭ ‬يَظهَر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أدنى‭ ‬وعي‭ ‬بأن‭ ‬تشويه‭ ‬المعلم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬ضرب‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬لنظامنا‭ ‬التعليمي‭ ‬العمومي‭ ‬المسكون‭ ‬أصلا‭ ‬بكل‭ ‬الأوجاع‭ ‬وكل‭ ‬العلل‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مفاصله‭. ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يَظهَر‭ ‬أدنى‭ ‬وعي‭ ‬بما‭ ‬سيكون‭ ‬عليه‭ ‬مُفتتح‭ ‬السنة‭ ‬الدراسية‭ ‬القادمة،‭ ‬وبما‭ ‬ستكون‭ ‬عليه‭ ‬علاقة‭ ‬الأولياء‭ ‬بالمعلمين‭. ‬وإنّ‭ ‬مِن‭ ‬المرجّح‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تحثّ‭ ‬حملة‭ ‬التأليب‭ ‬على‭ ‬المعلمين‭ ‬لفيفا‭ ‬من‭ ‬الأولياء‭ ‬على‭ ‬استصغار‭ ‬المعلمين‭ ‬وعلى‭ ‬التطاول‭ ‬عليهم‭ ‬بمختلف‭ ‬الأشكال،‭ ‬و‭”‬ها‭ ‬هي‭ ‬مرشومة‭”‬،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬السنة‭ ‬الدراسية‭ ‬القامية‭.‬

‬5/هل‭ ‬يجب‭ ‬تقسيم‭ ‬المقسَّم؟

لا‭ ‬نعلم‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الراهن‭ ‬ولعا‭ ‬بتقسيم‭ ‬الشعب‭ ‬يضاهي‭ ‬ولع‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬التونسية‭ ‬به‭. ‬فقد‭ ‬قسم‭ ‬الساسة‭ ‬إلى‭ ‬خونة‭ ‬ومخلصين،‭ ‬وقسم‭ ‬المواطنين‭ ‬إلى‭ ‬صالحين‭ ‬ومأجورين‭ ‬،‭ ‬وقسم‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬إلى‭ ‬فاسدين‭ ‬وغير‭ ‬فاسدين،‭ ‬وقسم‭ ‬الفاسدين‭ ‬إلى‭ ‬فاسدين‭ ‬وفاسدين‭ ‬جدا،‭ ‬وقسم‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬أقاليم،‭ ‬والأقاليم‭  ‬إلى‭ ‬وحدات‭ ‬ترابية‭ ‬توحي‭ ‬بأن‭ ‬مساحة‭ ‬تونس‭ ‬تضاهي‭ ‬مساحة‭ ‬استراليا‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬وأن‭ ‬تعداد‭ ‬شعبها‭ ‬يضاهي‭ ‬تعداد‭ ‬شعب‭ ‬الهند‭ ‬أو‭ ‬الصين‭.‬

وزاد‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬التقسيم‭ ‬بتقسيم‭ ‬بين‭ ‬المعلمين‭ ‬النقابيين‭ ‬وزملائهم‭ ‬غير‭ ‬النقابيين،‭ ‬وبين‭ ‬المعلمين‭ ‬والتلاميذ،‭ ‬وبين‭ ‬المعلمين‭ ‬والأولياء،‭ ‬وبين‭ ‬المعلمين‭ ‬الحاجبين‭ ‬وزملائهم‭ ‬غير‭ ‬الحاجبين،‭ ‬وبين‭ ‬المديرين‭ ‬والمعلمين،‭ ‬وبين‭ ‬المديرين‭ ‬المقالين‭ ‬والمديرين‭ ‬غير‭ ‬المقالين،‭ ‬وبين‭ ‬المديرين‭ ‬المستقيلين‭ ‬وزملائهم‭ ‬غير‭ ‬المستقيلين‭ ‬اخ‭….‬فأي‭ ‬عقل‭ ‬سياسي‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يدير‭ ‬اليوم‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬تونس‭!‬؟‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 18 جويلية 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING